فصل: باب حُلُولِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالدَّيْنِ عَلَيْهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


التَّفْلِيسُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْمُعْتَمِرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ عَنْ ابْنِ خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ، وَكَانَ قَاضِيًا بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ قَالَ جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَحَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ فِي التَّفْلِيسِ نَأْخُذُ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَالثَّقَفِيِّ مِنْ جُمْلَةِ التَّفْلِيسِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ سَوَاءٌ وَحَدِيثَاهُمَا ثَابِتَانِ مُتَّصِلاَنِ وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» بَيَانٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إذَا كَانَتْ سِلْعَتُهُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا نَقْضُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فِيهَا إنْ شَاءَ كَمَا جَعَلَ لِلْمُسْتَشْفِعِ الشُّفْعَةَ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ جُعِلَ لَهُ شَيْءٌ فَهُوَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَإِنْ أَصَابَ السِّلْعَةَ نَقْصٌ فِي بَدَنِهَا عَوَارٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ زَادَتْ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، يُقَالُ لِرَبِّ السِّلْعَةِ‏:‏ أَنْتَ أَحَقُّ بِسِلْعَتِك مِنْ الْغُرَمَاءِ إنْ شِئْت؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ ذَلِكَ إنْ اخْتَارَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ نَقْضًا لِلْعُقْدَةِ الْأُولَى بِحَالِ السِّلْعَةِ الْآنَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِذَا لَمْ أَجْعَلْ لِوَرَثَةِ الْمُفْلِسِ، وَلاَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ دَفْعَهُ عَنْ سِلْعَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ بَرِيءُ الذِّمَّةِ بِأَدَائِهِ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ أَجْعَلْ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ السِّلْعَةِ إنْ شَاءُوا وَمَا لِغُرَمَائِهِ يَدْفَعُونَ عَنْهُ‏.‏

وَمَا يَعْدُو غُرَمَاؤُهُ أَنْ يَكُونُوا مُتَطَوِّعِينَ لِلْغَرِيمِ بِمَا يَدْفَعُونَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَى الْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ دَيْنِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ أَقْضِيك عَنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَضِيَ ذَلِكَ مِنْهُ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ صَاحِبِهِ أَوْ يَكُونُ هَذَا لَهُمْ لاَزِمًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوهُ فَهَذَا لَيْسَ لَهُمْ بِلاَزِمٍ وَمَنْ قَضَى عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْهُمْ خَرَجَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلاً؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ فَإِذَا مَنَعَهُ إيَّاهُ فَقَدْ مَنَعَهُ مَا جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَعْطَاهُ شَيْئًا مُحَالاً ظَلَمَ فِيهِ الْمُعْطَى وَالْمُعْطِيَ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْطِيَ لَوْ أَعْطَى ذَلِكَ الْغَرِيمَ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَالاً مِنْ مَالِهِ يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ عِنْدَهُ غَيْرُ مُفْلِسٍ يُحِقُّهُ وَجَبَرَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَجَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ رَجَعُوا بِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ قَدْ مَنَعَهُ سِلْعَتَهُ الَّتِي جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ وَأَعْطَاهُ الْعِوَضَ مِنْهَا وَالْعِوَضُ لاَ يَكُونُ إلَّا لِمَا فَاتَ وَالسِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ فَقَضَى هَا هُنَا قَضَاءً مُحَالاً إذْ جَعَلَ الْعِوَضَ مِنْ شَيْءٍ قَائِمٍ ثُمَّ زَادَ أَنْ قَضَى بِأَنْ أَعْطَاهُ مَا لاَ يُسَلَّمُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا جَاءُوا وَدَخَلُوا مَعَهُ فِيهِ، وَكَانُوا أُسْوَتَهُ وَسِلْعَتُهُ قَدْ كَانَتْ لَهُ مُنْفَرِدَةً دُونَهُمْ عَنْ الْمُعْطِي فَجَعَلَهُ يُعْطِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ السِّلْعَةِ ثُمَّ جَاءَ غُرَمَاءُ آخَرُونَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ تَطَوَّعَ بِهِ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَإِذَا كَانَ تَطَوَّعَ بِهِ فَلِمَ جَعَلْت لَهُ فِيمَا تَطَوَّعَ عِوَضَ السِّلْعَةِ وَالْمُتَطَوِّعُ مَنْ لاَ يَأْخُذُ عِوَضًا مَا زِدْت عَلَى أَنْ جَعَلْته لَهُ بَيْعًا لاَ يَجُوزُ وَغَرَرًا لاَ يُفْعَلُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ نَخْلاً فِيهِ ثَمَرٌ أَوْ طَلْعٌ قَدْ أُبِّرَ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَأَكَلَ الثَّمَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ حَائِطَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَيَكُونُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي حِصَّةِ الثَّمَرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فَاسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى الْحَائِطِ وَالثَّمَرِ فَيَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ الثَّمَرِ مِنْ أَصْلِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الرُّبُعَ أَخَذَ الْحَائِطَ بِحِصَّتِهِ وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ وَهُوَ الرُّبُعُ، وَإِنَّمَا قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ لاَ يَوْمَ أَكْلِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ فِي مَالِهِ‏.‏

وَلَوْ قَبَضَهُ سَالِمًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا أَصَابَتْهُ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ الْحَائِطَ وَالثَّمَرَ قَدْ أَخْضَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَرُ رُطَبٌ أَوْ ثَمَرٌ قَاتِمٌ أَوْ بُسْرٌ زَائِدٌ عَنْ الْأَخْضَرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَالنَّخْلَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَإِنْ زَادَ كَمَا يَبِيعُهُ الْجَارِيَةَ الصَّغِيرَةَ فَيَأْخُذُهَا كَبِيرَةً زَائِدَةً، وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ وَأَدْرَكَ بَعْضَهُ زَائِدًا بِعَيْنِهِ أَخَذَ الْمُدْرَكَ وَتَبِعَهُ بِحِصَّةِ مَا بَاعَ مِنْ الثَّمَرِ يَوْمَ بَاعَهُ إيَّاهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ وُدْيًا صِغَارًا أَوْ نَوًى قَدْ خَرَجَ أَوْ زَرْعًا قَدْ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ أَرْضٍ فَأَفْلَسَ وَذَلِكَ كُلُّهُ زَائِدٌ مُدْرَكٌ أَخَذَ الْأَرْضَ وَجَمِيعَ مَا بَاعَهُ زَائِدًا مُدْرَكًا، وَإِذَا فَاتَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ كَمَا يَكُونُ‏.‏

لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا بِحَالِ صِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْهُ، وَلَوْ كَبُرَ الْعَبْدُ أَوْ صَحَّ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ سَقِيمًا صَغِيرًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ صَحِيحًا كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْهُ لاَ مِنْ صَنْعَةِ الْآدَمِيِّينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ فَعَلَّمَهُ أَخَذَهُ مُعَلَّمًا، وَلَوْ كَسَا الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ وَهَبَ لَهُ مَالاً أَخَذَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُهُ وَمَالٌ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لاَ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ بِيعَ، وَلَهُ مَالٌ اسْتَثْنَاهُ الْمُشْتَرِي فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَسَوَاءٌ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِالْعَبْدِ فَيَأْخُذُهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَبِقِيمَةِ الْمَالِ مِنْ الْبَيْعِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ‏.‏

وَلَوْ بَاعَهُ حَائِطًا لاَ ثَمَرَ فِيهِ فَأَثْمَرَ ثُمَّ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ يَوْمَ فَلِسَ الْمُشْتَرِي مَأْبُورًا أَوْ غَيْرَ مَأْبُورٍ فَسَوَاءٌ وَالثَّمَرُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يُقَالُ لِرَبِّ النَّخْلِ إنْ شِئْت فَالنَّخْلُ لَك عَلَى أَنْ نُقِرَّ الثَّمَرَ فِيهَا إلَى الْجِدَادِ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ النَّخْلَ وَكُنَّ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ فَلِسَ كَانَتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَلَدُ، وَلَوْ فَلِسَ وَالْأَمَةُ حَامِلٌ كَانَتْ لَهُ الْأَمَةُ وَالْحَمْلُ تَبَعٌ يَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ بِهِ الْأَمَةَ‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا قَبْلَ إفْلاَسِ الْغَرِيمِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ رَجَعَ بِالْأُمِّ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِالْأَوْلاَدِ؛ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا فِي مِلْكِ الْغَرِيمِ، وَإِنَّمَا نَقَضْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بِالْإِفْلاَسِ الْحَادِثِ وَاخْتِيَارِ الْبَيْعِ نَقْضُهُ لاَ بِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ مَفْسُوخًا مِنْ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ دَارًا فَبُنِيَتْ أَوْ بُقْعَةً فَغُرِسَتْ ثُمَّ أَفْلَسَ وَالْغَرِيمُ رَدَدْت الْبَائِعَ بِالدَّارِ كَمَا كَانَتْ وَالْبُقْعَةُ كَمَا كَانَتْ حِينَ بَاعَهَا، وَلَمْ أَجْعَلْ لَهُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي صَفْقَةِ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ مُتَمَيِّزٌ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ خَيَّرْته بَيْنَ أَنْ يُعْطَى قِيمَةَ الْعِمَارَةِ وَالْغِرَاسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ أَوْ يَكُونُ لَهُ مَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ لاَ عِمَارَةَ فِيهَا وَتَكُونُ الْعِمَارَةُ الْحَادِثَةُ تُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ سَوَاءً بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ وَالْغَرِيمُ أَنْ يَقْلَعُوا الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ وَيَضْمَنُوا لِرَبِّ الْأَرْضِ مَا نَقَصَ الْأَرْضَ الْقَلْعُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ شَيْئًا مُتَفَرِّقًا مِثْلَ عَبِيدٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ فَاسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ بَعْضَهُ كَانَ لَهُ الْبَعْضُ الَّذِي وَجَدَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نِصْفًا قَبَضَ النِّصْفَ، وَكَانَ غَرِيمًا مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَهَكَذَا إنْ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِذَا جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَالْبَعْضُ عَيْنُ مَالِهِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الْكُلِّ وَمَنْ مَلَكَ الْكُلَّ مَلَكَ الْبَعْضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْبَعْضَ نَقَصَ مِنْ مِلْكِهِ وَالنَّقْصُ لاَ يَمْنَعُهُ الْمِلْكَ‏.‏

وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَغَرَسَهَا ثُمَّ فَلِسَ الْغَرِيمُ فَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِقِيمَةِ الْغِرَاسِ وَأَبَى الْغَرِيمُ أَنْ يَقْلَعُوا الْغِرَاسَ وَيُسَلِّمُوا الْأَرْضَ إلَى رَبِّهَا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ وَيُبْقِيَ الثَّمَرَ فِيهَا إلَى الْجِدَادِ إنْ أَرَادَ الْغَرِيمُ وَالْغُرَمَاءُ أَنْ يُبْقُوهُ فِيهَا إلَى الْجِدَادِ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَدَعَهَا وَيَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِمَا كَانَ لَهُ فَعَلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَزَرَعَهَا ثُمَّ فَلِسَ كَانَ مِثْلَ الْحَائِطِ يَبِيعُهُ ثُمَّ يُثْمِرُ النَّخْلُ فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَوْ رَبُّ النَّخْلِ أَنْ يَقْبَلَهَا وَيُبْقِيَ فِيهَا الزَّرْعَ إلَى الْحَصَادِ وَالثِّمَارَ إلَى الْجِدَادِ ثُمَّ عَطِبَتْ النَّخْلُ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا عَطِبَتْ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ جَاءَ سَيْلٌ فَخَرَقَ الْأَرْضَ وَأَبْطَلَهَا فَضَمَانُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهَا الَّذِي قَبِلَهَا لاَ مِنْ الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَمَا قَبِلَهَا صَارَ مَالِكًا لَهَا إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ بَاعَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ وَهَبَ‏.‏

فَإِنْ قِيلَ‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمَرْءُ شَيْئًا لاَ يَتِمُّ لَهُ جَمِيعُ مِلْكِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَمْلِكْهُ الَّذِي جَعَلْت لَهُ أَخَذَهُ مِلْكًا تَامًّا؛ لِأَنَّهُ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِمَارِ النَّخْلِ وَالْجَرِيدِ وَكُلِّ مَا أَضَرَّ بِثَمَرِ الْمُفْلِسِ وَمَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُحْدِثَ فِي الْأَرْضِ بِئْرًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَضُرُّ ذَلِكَ بِزَرْعِ الْمُفْلِسِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ بِدَلاَلَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْلِكَ الْمُبْتَاعُ النَّخْلَ وَيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ إلَى الْجِدَادِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ سَلَّمَ رَبُّ الْأَرْضِ الْأَرْضَ لِلْمُفْلِسِ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ اُحْصُدْ الزَّرْعَ وَبِعْهُ بَقْلاً، وَأَعْطِنَا ثَمَنَهُ‏.‏ وَقَالَ الْمُفْلِسُ‏:‏ لَسْتُ أَفْعَلُ وَأَنَا أَدَعُهُ إلَى أَنْ يُحْصَدَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْمَى لِي وَالزَّرْعُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى الْمَاءِ، وَلاَ الْمُؤْنَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغُرَمَاءِ فِي أَنْ يُبَاعَ لَهُمْ‏.‏

وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ وَالْعِلاَجِ فَتَطَوَّعَ رَجُلٌ لِلْغَرِيمِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَ نَفَقَةَ ذَلِكَ وَأَسْلَمَهَا إلَى مَنْ يَلِي الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ وَزَادَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ إنْ سُلِّمَ لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ إبْقَاءُ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ، وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ بَيْعُهُ، وَإِذَا جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَالْبَعْضُ عَيْنُ مَالِهِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الْكُلِّ وَمَنْ مَلَك الْكُلَّ مَلَكَ الْبَعْضَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْبَعْضَ نَقَصَ مِنْ مِلْكِهِ وَالنَّقْصُ لاَ يَمْنَعُهُ الْمِلْكَ قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ عَبْدًا فَأَخَذَ نِصْفَ ثَمَنِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ شَرِيكًا بِهِ لِلْغَرِيمِ وَيُبَاعُ النِّصْفُ الَّذِي كَانَ لِلْغَرِيمِ لِغُرَمَائِهِ دُونَهُ عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْت، وَلاَ يَرُدُّ مِمَّا أَخَذَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لِمَا أَخَذَهُ، وَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ يَرُدُّ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ جَعَلْت لَهُ لَوْ أَخَذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا فَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ، وَالْقِيَاسُ عَلَيْهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ فَبَاعَهُمَا بِعِشْرِينَ فَقَبَضَ عَشَرَةً وَبَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِمَا عَشَرَةٌ كَانَ شَرِيكًا فِيهِمَا بِالنِّصْفِ يَكُونُ نِصْفُهُمَا لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْغُرَمَاءِ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَضَى نِصْفَ الثَّمَنِ وَهَلَكَ نِصْفُ الْمَبِيعِ وَبَقِيَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ أَوْ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ، وَقِيمَتَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍ، وَاَلَّذِي قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ، فَكَمَا كَانَ لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ أَخَذَهُمَا ثُمَّ أَخَذَ بَعْضَ الْبَدَلِ وَبَقِيَ بَعْضُ السِّلْعَةِ كَانَ ذَلِكَ كَقِيَامِهِمَا مَعًا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْبَدَلُ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدْ أَخَذَ نِصْفَ ثَمَنِ ذَا وَنِصْفَ ثَمَنِ ذَا، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يُبَيِّنُ مَا قُلْت غَيْرَ مَا ذَكَرْت‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا ثَمَنَ ذَا مِثْلَ ثَمَنِ ذَا مُسْتَوِيَيْ الْقِيمَةِ فَيُبَاعَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَيُقْبَضَانِ وَيَقْبِضُ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِهِمَا خَمْسِينَ وَيَهْلَكُ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ وَيَجِدُ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَيَرُدُّهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي، وَلاَ يَرُدُّ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ وَيَكُونُ مَا أَخَذَ ثَمَنَ الْهَالِكِ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا بَيْعًا، وَكَانَا رَهْنًا بِمِائَةٍ فَأَخَذَ تِسْعِينَ وَفَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْآخَرُ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ، وَلاَ يُبَعَّضُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا، وَلَكِنَّهُ يُجْعَلُ الْكُلُّ فِي كِلَيْهِمَا وَالْبَاقِي فِي كِلَيْهِمَا‏.‏

وَكَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ لَوْ كَانُوا عَبِيدًا رَهْنًا بِمِائَةٍ فَأَدَّى تِسْعِينَ كَانُوا مَعًا رَهْنًا بِعَشَرَةٍ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَلاَ شَيْءَ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ آخِرَ حَقِّهِ فَلَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِي دَلاَلَةِ حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْقُوفًا فَإِنْ أَخَذَ ثَمَنَهُ، وَإِلَّا رَجَعَ بَيْعُهُ فَأَخَذَهُ فَكَانَ كَالْمُرْتَهِنِ قِيمَتَهُ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِ الْمُرْتَهِنِ فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ كُلَّهُ لاَ يُبَاعُ عَلَيْهِ كَمَا يُبَاعُ الرَّهْنُ فَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ وَيَرُدُّ فَضْلَ الثَّمَنِ عَلَى مَالِكِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى السُّنَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي الشَّرِيكَيْنِ يُفْلِسُ أَحَدُهُمَا‏:‏ لاَ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْآخَرَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ أَدَانَهُ لَهُ بِإِذْنِهِ أَوْ هُمَا مَعًا فَيَكُونُ كَدَيْنٍ أَدَانَهُ لَهُ بِإِذْنِهِ بِلاَ شَرِكَةٍ كَانَتْ، وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ لاَ شَرِكَةَ إلَّا وَاحِدَةً‏.‏

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى ذِي دَيْنٍ سَبِيلاً فِي الْعُسْرَةِ حَتَّى تَكُونَ الْمَيْسَرَةُ، وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطْلَهُ ظُلْمًا إلَّا بِالْغِنَى فَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ لَيْسَ مِمَّنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إلَّا أَنْ يُوسِرَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ فَلاَ سَبِيلَ عَلَى إجَارَتِهِ؛ لِأَنَّ إجَارَتَهُ عَمَلُ بَدَنِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ سَبِيلٌ، وَإِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى مَالِهِ لَمْ يَكُنْ إلَى اسْتِعْمَالِهِ سَبِيلٌ، وَكَذَلِكَ لاَ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّهُ لاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ هَذِهِ‏.‏

وَإِذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادُوا أَخْذَ جَمِيعِ مَالِهِ تُرِكَ لَهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرُ مَا لاَ غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ، وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ يَوْمَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَقَدْ قِيلَ إنْ كَانَ لِقَسْمِهِ حَبْسٌ أُنْفِقَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَقَلُّ مَا يَكْفِيهِمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَسْمِ مَالِهِ وَيَتْرُكُ لَهُمْ نَفَقَتَهُمْ يَوْمَ يَقْسِمُ آخِرَ مَالِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ مِنْ كِسْوَتِهِ فِي شِتَاءٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ صَيْفٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنًا كَثِيرًا بِيعَ عَلَيْهِ، وَتُرِكَ لَهُ مَا وَصَفْتُ لَك مِنْ أَقَلِّ مَا يَكْفِيهِ مِنْهَا‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُهُ كُلُّهَا غَوَالِيَ مُجَاوِزَةَ الْقَدْرِ اُشْتُرِيَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ مِمَّا يَلْبَسُ أَقْصِدُ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فِي، وَقْتِهِ ذَلِكَ شِتَاءً كَانَ أَوْ صَيْفًا، وَإِنْ مَاتَ كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْغُرَمَاءِ وَحُفِرَ قَبْرُهُ بِأَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ اُقْتُسِمَ فَضْلُ مَالِهِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ الْخَادِمِ بُدًّا، وَقَدْ يَجِدُ الْمَسْكَنَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا جُنِيَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ قَبْلَ التَّفْلِيسِ فَلَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهَا إلَّا بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ إذَا قَبَضَهَا؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ لاَ ثَمَنَ لِبَعْضِهِ‏.‏

وَلَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ هِبَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا فَلَوْ قَبِلَهَا كَانَتْ لِغُرَمَائِهِ دُونَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَعْطَاهُ أَحَدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مُتَطَوِّعًا بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ، وَلاَ يَدْخُلُ مَالَهُ شَيْءٌ إلَّا بِقَبُولِهِ إلَّا الْمِيرَاثَ، فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ كَانَ مَالِكًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَفْعُ الْمِيرَاثِ، وَكَانَ لِغُرَمَائِهِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ‏.‏

وَلَوْ جُنِيَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَمْدًا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ أَوْ الْقِصَاصِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ الْمَالَ‏.‏

وَلَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ شَيْئًا قَبْلَ التَّفْلِيسِ ثُمَّ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَإِنْ كَانَ مَا صَالَحَ قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ لَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفِ الْقِيمَةِ فَأَرَادَ مُسْتَهْلِكُهُ أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مَوْضِعِ الْهِبَةِ‏.‏

فَإِنْ فَلِسَ الْغَرِيمُ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ عَلَى آخَرَ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَبْطَلْنَا حَقَّهُ إذَا أَحَلَفْنَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَجْعَلْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ فَامْتَنَعَ الْمُفْلِسُ مِنْ الْيَمِينِ بَطَلَ حَقُّهُ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ فِي حَالٍ أَنْ يَحْلِفُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَالِكِينَ إلَّا مَا مَلَكَ، وَلاَ يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ‏.‏

وَلَوْ جَنَى هُوَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ جِنَايَةً عَمْدًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالاً كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَهْلِكُ لَهُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِهِ الْمَوْقُوفِ لَهُمْ، بِيعَ أَوْ لَمْ يُبَعْ مَا لَمْ يَقْتَسِمُوهُ فَإِذَا اقْتَسَمُوهُ نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْقَسْمِ دَخَلَ مَعَهُمْ فِيمَا اقْتَسَمُوا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَزِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَ مَالَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بَعْدَ الْقَسْمِ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا مَا قُسِمَ لَهُمْ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُفْلِسِ وَالْجِنَايَةُ وَالِاسْتِهْلاَكُ دَيْنٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَجَرَ عَلَيْهِ وَأَمَرَ بِوَقْفِ مَالِهِ لِيُبَاعَ فَجَنَى عَبْدٌ لَهُ جِنَايَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ وَأَمَرَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْجَانِي فِي الْجِنَايَةِ حَتَّى يُوَفِّيَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَرْشَهَا فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رَدَّهُ فِي مَالِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ غُرَمَاءَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ بَطَلَتْ جِنَايَتُهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ دُونَ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدُ الْمُفْلِسِ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ كَانَ سَيِّدُهُ الْخَصْمَ لَهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْجَانِي عَلَيْهِ عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيهَا قِصَاصٌ وَأَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ تَرْكَ الْقِصَاصِ وَأَخْذَ الْمَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهِ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِمَّا لاَ قِصَاصَ فِيهِ إنَّمَا فِيهِ الْأَرْشُ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ عَفْوُ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ وَجَبَ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ لَهُ هِبَتُهُ هُوَ مَرْدُودٌ فِي مَالِهِ يَقْضِي بِهِ عَنْ دَيْنِهِ‏.‏

وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْحِنْطَةَ أَوْ الزَّيْتَ أَوْ السَّمْنَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ خَلَطَهُ بِأَرْدَأَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ ثُمَّ فَلِسَ غَرِيمُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ كَمَا كَانَ وَيُقَاسِمُ الْغُرَمَاءَ بِكَيْلِ مَالِهِ أَوْ وَزْنِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ خَلَطَهُ فِيمَا دُونَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ فَضْلاً إنَّمَا يَأْخُذُ نَقْصًا فَإِنْ كَانَ خَلَطَهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ لاَ سَبِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّا لاَ نَصِلُ إلَى دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ إلَّا زَائِدًا بِمَالِ غَرِيمِهِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُعْطِيَهُ الزِّيَادَةَ، وَكَانَ هَذَا أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا، الثَّوْبَ يُصْبَغُ، وَلاَ السَّوِيقَ يُلَتُّ الثَّوْبُ يُصْبَغُ وَالسَّوِيقُ يُلَتُّ مَتَاعُهُ بِعَيْنِهِ فِيهِ زِيَادَةٌ مُخْتَلِطَةٌ فِيهِ وَهَذَا إذَا اخْتَلَطَ انْقَلَبَ حَتَّى لاَ تُوجَدَ عَيْنُ مَالِهِ إلَّا غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ مِنْ عَيْنِ مَالِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا كُلُّ ذَائِبٍ‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ عَسَلِهِ، وَقِيمَةِ الْعَسَلِ الْمَخْلُوطِ بِهِ مُتَمَيِّزَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِقَدْرِ قِيمَةِ عَسَلِهِ مِنْ عَسَلِ الْبَائِعِ وَيَتْرُكَ فَضْلَ كَيْلِ عَسَلِهِ أَوْ يَدَعَ وَيَكُونَ غَرِيمًا كَأَنَّ عَسَلَهُ كَانَ صَاعًا يَسْوَى دِينَارَيْنِ، وَعَسَلَ شَرِيكِهِ كَانَ صَاعًا يَسْوَى أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِثُلُثَيْ صَاعٍ مِنْ عَسَلِهِ وَعَسَلِ شَرِيكِهِ كَانَ لَهُ، وَكَانَ تَارِكًا لِفَضْلِ صَاعٍ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا بِبَيْعٍ إنَّمَا هَذَا وَضِيعَةٌ مِنْ مَكِيلَةٍ كَانَتْ لَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ هَذَا أَشْبَهُهُمَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ‏.‏ وَهُوَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّقِيقَ وَيُعْطِيَ الْغُرَمَاءَ قِيمَةَ الطَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَالِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ كَانَ لَهُ ثَوْبُهُ وَلِلْغُرَمَاءِ صَبْغُهُ يَكُونُونَ شُرَكَاءَ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا فَخَاطَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ مَا زَادَتْ الْخِيَاطَةُ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ فَقَصَّرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ بَعْدَمَا زَادَتْ الْقِصَارَةُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْغَاصِبَ لاَ يَأْخُذُ فِي الْقِصَارَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ قُلْنَا الْمُفْلِسُ مُخَالِفٌ لِلْغَاصِبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُفْلِسَ إنَّمَا عَمِلَ فِيمَا يَمْلِكُ وَيَحِلُّ لَهُ الْعَمَلُ فِيهِ وَالْغَاصِبَ عَمِلَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْعَمَلُ فِيهِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْمُفْلِسَ يَشْتَرِي الْبُقْعَةَ فَيَبْنِيهَا، وَلاَ يُهْدَمُ بِنَاؤُهُ وَيُهْدَمُ بِنَاءُ الْغَاصِبِ وَيَشْتَرِي الشَّيْءَ فَيَبِيعُهُ فَلاَ يُرَدُّ بَيْعُهُ وَيُرَدُّ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَيَشْتَرِي الْعَبْدُ فَيُعْتِقُهُ فَنُجِيزُ عِتْقَهُ، وَلاَ نُجِيزُ عِتْقَ الْغَاصِبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَفْلَسَ الرَّجُلُ، وَقَدْ قَصَّرَ الثَّوْبَ قَصَّارٌ أَوْ خَاطَهُ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَغَهُ صَبَّاغٌ بِأُجْرَةٍ فَاخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ أَخَذَهُ فَإِنْ زَادَ عَمَلُ الْقَصَّارِ فِيهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَكَانَتْ إجَارَتُهُ فِيهِ دِرْهَمًا أَخَذَ الدِّرْهَمَ، وَكَانَ شَرِيكًا بِهِ فِي الثَّوْبِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَكَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الدَّرَاهِمُ لِلْغُرَمَاءِ شُرَكَاءَ بِهَا لِلْقَصَّارِ وَصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ زَادَ فِي الثَّوْبِ دِرْهَمًا، وَإِجَارَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَانَ شَرِيكًا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ بِالدِّرْهَمِ وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ تَزِيدُ فِي الثَّوْبِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَالْإِجَارَةُ دِرْهَمٌ أَعْطَيْنَا الْقَصَّارَ دِرْهَمًا يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ‏؟‏ وَلِلْغُرَمَاءِ أَرْبَعَةٌ يَكُونُونَ بِهَا فِي الثَّوْبِ شُرَكَاءَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ كَيْفَ جَعَلْتَهُ أَحَقَّ بِإِجَارَتِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي الثَّوْبِ‏.‏ فَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ أَحَقَّ بِهَا إذَا كَانَتْ زَائِدَةً فِي الثَّوْبِ فَمَنَعَهَا صَاحِبُ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا زَادَ عَمَلُ هَذَا فِي الثَّوْبِ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فَمَا بَالُهَا إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ مِنْ إجَارَتِهِ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَيْهِ كُلَّهَا، وَإِذَا كَانَتْ أَنْقَصَ مِنْ إجَارَتِهِ لَمْ تَقْتَصِرْ بِهِ عَلَيْهَا كَمَا تَجْعَلُهَا فِي الْبُيُوعِ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنِ بَيْعٍ يَقَعُ فَاجْعَلْهَا هَكَذَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ إجَارَةً مِنْ الْإِجَارَاتِ لَزِمَتْ الْغَرِيمَ الْمُسْتَأْجِرَ فَلَمَّا وَجَدْتُ تِلْكَ الْإِجَارَةَ قَائِمَةً جَعَلْتُهُ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ إجَارَتِهِ كَالرَّهْنِ لَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ رَهْنٌ يَسْوَى عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ أَعْطَيْته مِنْهَا دِرْهَمًا وَالْغُرَمَاءَ تِسْعَةً‏.‏

وَلَوْ كَانَ رَهْنٌ يَسْوَى دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَعْطَيْته مِنْهَا دِرْهَمًا وَجَعَلْته يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِتِسْعَةٍ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَمَا بَالُهُ يَكُونُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْلَى بِالرَّهْنِ مِنْهُ بِالْبَيْعِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ كَذَلِكَ تَزْعُمُ أَنْتَ فِي الثَّوْبِ يَخِيطُهُ الرَّجُلُ أَوْ يَغْسِلُهُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ كَمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فِي الرَّهْنِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ عَمَلاً قَائِمًا فَلاَ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْعَمَلَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ‏؟‏ قُلْتُ لاَ أَجْعَلُ لَهُ حَبْسَهُ، وَلاَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَخْذَهُ وَآمُرُ بِبَيْعِ الثَّوْبِ فَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ إذَا أَفْلَسَ فَإِنْ أَفْلَسَ صَاحِبُ الثَّوْبِ كَانَ الْخَيَّاطُ أَحَقَّ بِمَا زَادَ عَمَلُهُ فِي الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَ عَمَلُهُ فِي الثَّوْبِ أَخَذَ مَا زَادَ عَمَلُهُ فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَكَانَتْ بَقِيَّةُ الْإِجَارَةِ دَيْنًا عَلَى الْغَرِيمِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يُفْلِسْ، وَقَدْ عُمِلَ لَهُ ثَوْبٌ فَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِكَيْنُونَةِ الثَّوْبِ فِي يَدِ الْخَيَّاطِ أَخَذَ مَكَانَهُ مِنْهُمَا حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِمَا وَصَفْتُ أَوْ يُبَاعُ عَلَيْهِ الثَّوْبُ فَيُعْطَى إجَارَتُهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَبِهِ أَقُولُ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ إنَّهُ غَرِيمٌ فِي إجَارَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا عُمِلَ فِي الثَّوْبِ لَيْسَ بِعَيْنٍ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ مَالِهِ زَائِدٌ فِي الثَّوْبِ إنَّمَا هُوَ أَثَرٌ فِي الثَّوْبِ وَهَذَا يَتَوَجَّهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا فِي حَانُوتٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ شَجَرٍ بِإِجَارَةٍ مَعْلُومَةٍ لَيْسَتْ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ إمَّا بِمَكِيلَةِ طَعَامٍ مَضْمُونٍ، وَإِمَّا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا يَبِيعُ فِيهِ بَزًّا أَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلاً يُعَلِّمُ لَهُ عَبْدًا أَوْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا أَوْ يُرَوِّضُ لَهُ بَعِيرًا ثُمَّ أَفْلَسَ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ الْأُجَرَاءِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ مُخْتَلِطٌ بِهَذَا زَائِدٌ فِيهِ كَزِيَادَةِ الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ مِنْ مَالِ الصَّبَّاغِ وَزِيَادَةُ الْخِيَاطَةِ فِي الثَّوْبِ مِنْ مَالِ الْخَيَّاطِ وَعَمَلِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا غَيْرُ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ وَغَيْرُ شَيْءٍ قَائِمٍ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ‏.‏

أَلاَ تَرَى أَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ، وَقِيمَتَهُ مَصْبُوغًا، وَقِيمَتَهُ غَيْرَ مَخِيطٍ وَغَيْرَ مَقْصُورٍ، وَقِيمَتَهُ مَخِيطًا وَمَقْصُورًا مَعْرُوفَةٌ حِصَّةُ زِيَادَةِ الْعَامِلِ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي فِي الْحَانُوتِ، وَلاَ فِي الْمَاشِيَةِ الَّتِي تُرْعَى، وَلاَ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يُعَلِّمُهُ شَيْءٌ قَائِمٌ مِنْ صَنْعَةِ غَيْرِهِ فَيُعْطِي ذَلِكَ صَنْعَتَهُ أَوْ مَالَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ‏.‏

أَوَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى الزَّرْعَ كَانَ الزَّرْعُ وَالْمَاءُ وَالْأَرْضُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَانَتْ صَنْعَتُهُ فِيهِ إنَّمَا هِيَ إلْقَاءٌ فِي الْأَرْضِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ زَائِدٍ فِيهِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ لاَ صَنْعَةَ فِيهَا لِلْأَجِيرِ‏.‏

أَوَلاَ تَرَى أَنَّ الزَّرْعَ لَوْ هَلَكَ كَانَتْ لَهُ إجَارَتُهُ وَالثَّوْبَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ إلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ‏.‏

وَلَوْ تَكَارَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا وَاشْتَرَى مِنْ آخَرَ مَاءً ثُمَّ زَرَعَ الْأَرْضَ بِبَذْرِهِ ثُمَّ فَلِسَ الْغَرِيمُ بَعْدَ الْحَصَادِ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْمَاءِ شَرِيكَيْنِ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَيْسَا بِأَحَقَّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَلاَ بِالْمَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا فِيهِ عَيْنُ مَالِ الْحَبِّ الَّذِي نَمَا مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ لاَ مِنْ مَالِهِمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ نَمَا بِمَاءِ هَذَا وَفِي أَرْضِ هَذَا قُلْنَا عَيْنُ الْمَالِ لِلْغَرِيمِ لاَ لَهُمَا وَالْمَاءُ مُسْتَهْلَكٌ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ وَالْأَرْضُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الزَّرْعِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهَا لَيْسَ بِكَيْنُونَةٍ مِنْهَا فِيهِ فَنُعْطِيهِ عَيْنَ مَالِهِ، وَلَوْ عَنَى رَجُلٌ فَقَالَ أَجْعَلُهُمَا أَحَقَّ بِالطَّعَامِ مِنْ الْغُرَمَاءِ دَخَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُمَا غَيْرَ عَيْنِ مَالِهِمَا ثُمَّ أَعْطَاهُمَا عَطَاءً مُحَالاً، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا الْمُحَالُ فِيهِ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ إنْ زَعَمَ أَنَّ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَصَاحِبَ الْأَرْضِ وَصَاحِبَ الْمَاءِ شُرَكَاءُ فَكَمْ يُعْطَى صَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الْمَاءِ وَصَاحِبُ الطَّعَامِ‏؟‏ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَهُمَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَا حَقَّهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ حِصَّةَ الْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الزَّارِعِ وَهُوَ لاَ يَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ الْغُرَمَاءِ إلَّا بَعْدَ مَا يُفْلِسُ الْغَرِيمُ فَالْغَرِيمُ فَلِسَ وَهَذِهِ حِنْطَتُهُ لَيْسَتْ فِيهَا أَرْضٌ، وَلاَ مَاءٌ، وَلَوْ أَفْلَسَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فِي أَرْضِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ مَا أَقَامَتْ الْأَرْضُ فِي يَدَيْ الزَّارِعِ إلَى أَنْ أَفْلَسَ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ لَيْسَ لَك، وَلاَ لَهُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا بِأَرْضِهِ، وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ الْآنَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعُوا فَتَدْفَعُوا إلَيْهِ إجَارَةَ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاقْلَعُوا عَنْهُ الزَّرْعَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِتَرْكِهِ لَكُمْ وَذَلِكَ أَنَّا نَجْعَلُ التَّفْلِيسَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَفَسْخًا لِلْإِجَارَةِ فَمَتَى فَسَخْنَا الْإِجَارَةَ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَحَقَّ بِهَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَ إجَارَةَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الزَّارِعَ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَرَهَنَهُ ثُمَّ فَلِسَ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ يُبَاعُ لَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ بَقِيَّةٌ كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِذَا جَعَلْتَ هَذَا فِي الرَّهْنِ فَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلْهُ فِي الْقِصَارَةِ وَالْغُسَالَةِ كَالرَّهْنِ فَتَجْعَلُهُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ رَبِّ الثَّوْبِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ لِافْتِرَاقِهِمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَأَيْنَ يَفْتَرِقَانِ‏؟‏ قُلْنَا الْقِصَارَةُ وَالْغُسَالَةُ شَيْءُ يَزِيدُهُ الْقَصَّارُ وَالْغَسَّالُ فِي الثَّوْبِ فَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ إجَارَتَهُ وَالزِّيَادَةَ فِي الثَّوْبِ فَقَدْ أَوْفَيْنَاهُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَلاَ نُعْطِيهِ أَكْثَرَ فِي الثَّوْبِ وَنَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فِي مَالِ غَرِيمِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ الْخَيَّاطِ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ زِيَادَةٌ يُحْدِثُهَا فَمَتَى لَمْ يُوَفِّهَا رَبَّ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَالرَّهْنُ مُخَالِفٌ لِهَذَا لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَبْدِ، وَلَكِنَّهُ إيجَابُ شَيْءٍ فِي رَقَبَتِهِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ كَانَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ مَوْلاَهُ الرَّاهِنِ لاَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ كَمَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِهَلاَكِ الثَّوْبِ فَإِنْ قَالَ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي مَوْضِعٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي آخَرَ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ فَنَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا وَنُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا‏.‏

أَلاَ تَرَى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ الْعَبْدَ فَجَعَلْنَا الْمُرْتَهِنَ أَحَقَّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْغُرَمَاءِ فَقَدْ حَكَمْنَا لَهُ فِيهِ بِبَعْضِ حُكْمِ الْبَيْعِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ رَدَدْنَا الْمُرْتَهِنَ بِحَقِّهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا حُكْمَ الْبَيْعِ بِكَمَالِهِ لَمْ يَرُدَّ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ فَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ حَيْثُ اشْتَبَهَا وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ افْتَرَقَا‏.‏

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْضًا فَقَبَضَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إجَارَتَهَا كُلَّهَا وَبَقِيَ الزَّرْعُ فِيهَا لاَ يَسْتَغْنِي عَنْ السَّقْيِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ وَفَلِسَ الزَّارِعُ وَهُوَ الرَّجُلُ قِيلَ لِغُرَمَائِهِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ بِأَنْ تُنْفِقُوا عَلَى الزَّرْعِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثُمَّ تَبِيعُوهُ وَتَأْخُذُوا نَفَقَتَكُمْ مَعَ مَالِكُمْ فَذَلِكَ لَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَكُمْ إلَّا بِأَنْ يَرْضَاهُ رَبُّ الزَّرْعِ الْمُفْلِسُ فَإِنْ لَمْ يَرْضَهُ فَشِئْتُمْ أَنْ تَطَوَّعُوا بِالْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالنَّفَقَةِ، وَلاَ تَرْجِعُوا بِشَيْءٍ فَعَلْتُمْ، وَإِنْ لَمْ تَشَاءُوا وَشِئْتُمْ فَبِيعُوهُ بِحَالِهِ تِلْكَ لاَ تُجْبَرُونَ عَلَى أَنْ تُنْفِقُوا عَلَى مَا لاَ تُرِيدُونَ قَالَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ فَمَرِضَ بِيعَ مَرِيضًا بِحَالِهِ، وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا أَوْ دَارًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ شَيْئًا مَا كَانَ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى فَلِسَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ بِمَا بَاعَهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ لَهُ كَرِهَ أَوْ كَرِهَ الْغُرَمَاءُ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا مَوْصُوفًا مِنْ ضَرْبِ السَّلَفِ مِنْ رَقِيقٍ مَوْصُوفِينَ أَوْ إبِلٍ مَوْصُوفَةٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بُيُوعِ الصِّفَةِ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ لِبَعْضِ مَا اشْتَرَى مِنْ هَذَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ دَارًا بِعَيْنِهَا أَوْ ثِيَابًا بِعَيْنِهَا بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ الْبَائِعُ لِلدَّارِ الْمُشْتَرَى بِهَا الطَّعَامُ أَحَقَّ بِدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ بَائِعٌ مُشْتَرٍ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْ بَيْعِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّفَ فِي الطَّعَامِ فِضَّةً مَصُوغَةً مَعْرُوفَةً أَوْ ذَهَبًا أَوْ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا فَوَجَدَهَا قَائِمَةً يُقِرُّ بِهَا الْغُرَمَاءُ أَوْ الْبَائِعُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ أَوْ اُسْتُهْلِكَتْ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ‏.‏

وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّارَ ثُمَّ فَلِسَ الْمُكْرِي فَالْكِرَاءُ ثَابِتٌ إلَى مُدَّتِهِ ثُبُوتَ الْبَيْعِ مَاتَ الْمُفْلِسُ أَوْ عَاشَ وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فِي الْكِرَاءِ وَزَعَمَ فِي الشِّرَاءِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فَإِنَّمَا هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَقَدْ خَالَفَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فِي الْكِرَاءِ فَفَسَخَهُ إذَا مَاتَ الْمُكْتَرِي أَوْ الْمُكْرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ الدَّارِ قَدْ تَحَوَّلَ لِغَيْرِ الْمُكْرِي وَالْمَنْفَعَةَ قَدْ تَحَوَّلَتْ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي، وَقَالَ لَيْسَ الْكِرَاءُ كَالْبُيُوعِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الدَّارَ فَتَنْهَدِمُ فَلاَ يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَنْ يَبْنِيَهَا وَيَرْجِعُ الْمُكْتَرِي بِمَا بَقِيَ مِنْ حِصَّةِ الْكِرَاءِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بَيْعًا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فَيُثْبِتُ صَاحِبُنَا وَاَللَّهُ يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُ الْكِرَاءَ الْأَضْعَفَ؛ لِأَنَّا نَنْفَرِدُ بِهِ دُونَ غَيْرِنَا فِي مَالِ الْمُفْلِسِ، وَإِنْ مَاتَ يَجْعَلُهُ لِلْمُكْتَرِي وَأَبْطَلَ الْبَيْعَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ الْبَيْعُ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ مِنْ الْكِرَاءِ لِلْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ تَامٍّ، وَإِذَا جَمَعْنَا نَحْنُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ حَمْلَ طَعَامٍ إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُكْتَرِي أَوْ مَاتَ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ يَكُونُ الْمُكْرِي أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الطَّعَامِ صَنْعَةٌ، وَلَوْ كَانَ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ الطَّعَامَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا دُونَ غُرَمَائِهِ، وَلاَ أُجْبِرُ الْمُكْرِي أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ غَرِيمِ الْمُفْلِسِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ غُرَمَاؤُهُ، وَلَوْ حَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ مَا حَمَلَهُ مِنْ الْكِرَاءِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْحُمُولَةَ فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ إنْ كَانَ مَوْضِعٌ لاَ يَهْلِكُ فِيهِ الطَّعَامُ مِثْلُ الصَّحْرَاءِ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا‏.‏

وَإِذَا تَكَارَى النَّفَرُ الْإِبِلَ بِأَعْيَانِهَا مِنْ الرَّجُلِ فَمَاتَ بَعْضُ إبِلِهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكْرِي أَنْ يَأْتِيَهُ بِإِبِلٍ بَدَلَهَا فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلَوْ أَفْلَسَ الْمُكْرِي، وَمَاتَ بَعْضُ إبِلِهِمْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلاَ فِي مَالِ الْمُكْرِي بِشَيْءٍ إلَّا بِمَا بَقِيَ مِمَّا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ كِرَائِهِ يَكُونُ فِيهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَتَكُونُ الْإِبِلُ الَّتِي أَكْتُرِيَتْ عَلَى الْكِرَاءِ فَإِذَا انْقَضَى كَانَتْ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُكْرِي الْمُفْلِسِ، وَلَوْ كَانُوا تَكَارَوْا مِنْهُ حُمُولَةً مَضْمُونَةً عَلَى غَيْرِ إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا يَدْفَعُ إلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إبِلاً بِأَعْيَانِهَا كَانَ لَهُ نَزْعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَإِبْدَالُهُمْ غَيْرَهَا فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَحَقُّهُمْ فِي ذِمَّتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَتْ إبِلٌ كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَأَفْلَسَ الْغَرِيمُ كَانُوا جَمِيعًا أُسْوَةً فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْإِبِلِ بِقَدْرِ حُمُولَتِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ لاَ فِي إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا فَيَكُونُ إذَا هَلَكَتْ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ غُرَمَاءُ غَيْرُهُمْ مِنْ غُرَمَائِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لَهُمْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ ضَرَبَ هَؤُلاَءِ بِالْحُمُولَةِ وَهَؤُلاَءِ بِدُيُونِهِمْ وَحَاصُّوهُمْ‏.‏

وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْإِبِلَ ثُمَّ هَرَبَ مِنْهُ فَأَتَى الْمُتَكَارِي السُّلْطَانَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مِمَّنْ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ أَحْلَفَ الْمُتَكَارِيَ أَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ لَثَابِتٌ فِي الْكِرَاءِ مَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَسَمَّى الْكِرَاءَ وَالْحُمُولَةَ ثُمَّ تَكَارَى لَهُ عَلَى الرَّجُلِ كَمَا يَبِيعُ لَهُ فِي مَالِ الرَّجُلِ إذَا كَانَتْ الْحُمُولَةُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُمُولَةُ إبِلاً بِأَعْيَانِهَا لَمْ يَتَكَارَ لَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي لِلْمُكْتَرِي أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَكْتَرِيَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَرُدَّك بِالْكِرَاءِ عَلَيْهِ؛ لِفِرَارِهِ مِنْك أَوْ آمُرُ عَدْلاً فَيَعْلِفُ الْإِبِلَ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهَا وَيُخْرِجُ ذَلِكَ مُتَطَوِّعًا بِهِ غَيْرَ مَجْبُورٍ عَلَيْهِ وَأَرُدُّك بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْإِبِلِ دَيْنًا عَلَيْهِ وَمَا أَعْلَفَ الْإِبِلَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ لِلْجَمَّالِ فَضْلٌ مِنْ إبِلٍ بَاعَ عَلَيْهِ وَأَعْلَفَ إبِلَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَفْسَخْ الْكِرَاءَ إنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ إبِلٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا بَاعَ عَلَيْهِ فَضْلاً مِنْ إبِلِهِ وَمَالاً لَهُ سِوَى الْإِبِلِ ثُمَّ جَاءَ الْجَمَّالُ لَمْ يَرُدَّ بَيْعَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَأَمَرَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى إبِلِهِ قَالَ‏:‏ وَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ تَكَارَى مِنْ جَمَّالٍ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَنْ يُوَكِّلَ رَجُلاً ثِقَةً وَيُجِيزَ أَمْرَهُ فِي بَيْعِ مَا رَأَى مِنْ إبِلِهِ وَمَتَاعِهِ فَيَعْلِفُ إبِلَهُ مِنْ مَالِهِ وَيَجْعَلُهُ مُصَدَّقًا فِيمَا أَدَانَ عَلَى إبِلِهِ وَعَلَفِهَا بِهِ لاَزِمًا لَهُ ذَلِكَ وَيُحَلِّفُهُ لاَ يَفْسَخُ، وَكَالَتَهُ فَإِنْ غَابَ قَامَ بِذَلِكَ الْوَكِيلُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا تَكَارَى الْقَوْمُ مِنْ الْجَمَّالِ إبِلاً بِأَعْيَانِهَا ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَرْكَبَ إبِلَهُ بِأَعْيَانِهَا، وَلاَ تُبَاعُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا الْحُمُولَةَ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا وَدَفَعَ إلَى كُلِّ إنْسَانٍ بَعِيرًا دَخَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إذَا ضَاقَتْ الْحُمُولَةُ كَمَا يَدْخُلْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي سَائِرِ مَالِهِ حَتَّى يَتَسَاوَوْا فِي الْحُمُولَةِ وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ غُرَمَاؤُهُ الَّذِينَ لاَ حُمُولَةَ لَهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوا مِنْ إبِلِهِ بِقَدْرِ مَالِهِمْ وَأَهْلُ الْحُمُولَةِ بِقِيمَةِ حُمُولَتِهِمْ‏.‏

وَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَهُوَ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَهُ فَإِنَّ وَهْبَهُ لِرَجُلٍ أَوْ نَحَلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ صَدَقَةً غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى فَلِسَ فَلَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَلاَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ الْقَاضِي مَالَهُ كَانَ مَرْدُودًا؛ لِأَنَّ مِلْكَ هَذَا لاَ يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّحَلِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ كَانَ أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُفْلِسًا فَتَرَكَهُ أَوْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهُ أَوْ غَيْرَ مُفْلِسٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَلاَ أُجْبِرُهُ عَلَى مِلْكِ مَا لاَ يَشَاءُ إلَّا الْمِيرَاثَ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ شَيْئًا فَرَدَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ كَمَا يَأْخُذُونَ سَائِرَ مَالِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ أَحَبَّ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ أَوْ كَرِهُوا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ، وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ فِيهَا خِيَارٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَسْلَفَ رَجُلٌ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ بِصِفَةٍ فَحَلَّتْ وَفَلِسَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ دُونَ الصِّفَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا لَمْ يَرْضَ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَا لَمْ يَشْتَرِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَعْطَى خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا سَلَّفَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ هِبَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّهِبَ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْغَرِيمِ مَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا سَلَّفَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ إذَا رَضِيَ الْغُرَمَاءُ، وَإِنْ كَرِهَ؛ لِأَنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ فِي الْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا لاَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُخَالِفَةً غَيْرَ الزِّيَادَةِ خِلاَفًا لاَ تَصْلُحُ الزِّيَادَةُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ النَّقْصُ‏.‏

بَابٌ كَيْفَ مَا يُبَاعُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا أَمَرَ بِالْبَيْعِ عَلَى الْمُفْلِسِ أَنْ يَجْعَلَ أَمِينًا يَبِيعُ عَلَيْهِ وَيَأْمُرَ الْمُفْلِسَ بِحُضُورِ الْبَيْعِ أَوْ التَّوْكِيلِ بِحُضُورِهِ إنْ شَاءَ وَيَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ وَالْمَبِيعُ لَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ بَاعَ الْأَمِينُ وَمَا يُبَاعُ مِنْ مَالِ ذِي الدَّيْنِ ضَرْبَانِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ مَرْهُونٌ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ‏.‏

وَالْآخَرُ‏:‏ غَيْرُ مَرْهُونٍ‏.‏

فَإِذَا بَاعَ الْمَرْهُونَ مِنْ مَالِهِ دَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ سَاعَةَ يَبِيعُهُ إذَا كَانَ قَدْ أَثْبَتَ رَهْنَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَلَفَ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ رَهْنِهِ شَيْءٌ، وَقَفَهُ وَجَمِيعُ مَا بَاعَ مِمَّا لَيْسَ بِرَهْنٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ مَالُهُ وَغُرَمَاؤُهُ فَيُفَرَّقَ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ رَهْنَهُ فَعَجَزَ عَنْ مَبْلَغِ حَقِّهِ دَفَعَ إلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ رَهْنِهِ، وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ ذُو الدَّيْنِ رَهَنَ غَرِيمَهُ رَهْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا، وَكَانَ الْغُرَمَاءُ فِيهِ أُسْوَةً‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا، وَقَبَضَهُ ثُمَّ فَسَخَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، وَكَانَ فِيهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ‏.‏

وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلَيْنِ مَعًا كَانَا كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلاً فَقَبَضَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ آخَرَ بَعْدَهُ فَأَعْطَى الْأَوَّلَ جَمِيعَ حَقِّهِ وَبَقِيَتْ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ بَقِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ فِيهَا إلَّا مَا لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ الْآخَرَ شَيْئًا قَدْ رَهَنَهُ فَصَارَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَمْرٍ فِيهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَهْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ وَأَفْلَسَ الرَّجُلُ الرَّاهِنُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَكُلُّ رَهْنٍ مَفْسُوخٍ بِوَجْهٍ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ غُرَمَائِهِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدِهِمْ فِيهِ مَعًا أُسْوَةٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ رَهْنُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَلاَ الزَّرْعِ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقْبَضُ، وَلاَ يُعْرَفُ، وَيَجُوزُ بَعْدَ مَا يُجَدُّ وَيُحْصَدُ فَيُقْبَضُ‏.‏

باب مَا جَاءَ فِيمَا يُجْمَعُ مِمَّا يُبَاعُ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الدَّيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَلاَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ مَالَ الْغَرِيمِ حَتَّى يُحْضِرَهُ وَيُحْضِرَ مَنْ حَضَرَ مِنْ غُرَمَائِهِ فَيَسْأَلُهُمْ فَيَقُولُ ارْتَضُوا بِمَنْ أَضَعُ ثَمَنَ مَا بِعْتُ عَلَى غَرِيمِكُمْ لَكُمْ حَتَّى أُفَرِّقَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَرِيمٍ إنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ مَعَكُمْ فَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى ثِقَةٍ لَمْ يَعْدُهُ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ لَمْ يَقْبَلْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُوَلِّيَ إلَّا ثِقَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالُ الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْضِيَ عَنْهُ، وَلَوْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ كَانَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ كَانَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِهِمْ كَبَعْضِ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَدَعَوْا إلَى ثِقَتَيْنِ ضَمَّهُمَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ إذَا قَبِلُوا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَطْلُبُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلاً، وَإِنْ طَلَبُوا جُعْلاً جَعَلَهُ إلَى وَاحِدٍ لِيَكُونَ أَقَلَّ فِي الْجُعْلِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ خَيْرَهُمْ لَهُمْ وَلِغَائِبٍ إنْ كَانَ مَعَهُمْ وَيَقُولُ لِلْغُرَمَاءِ‏:‏ أَحْضِرُوهُ فَأَحْصُوا أَوْ وَكِّلُوا مَنْ شِئْتُمْ وَيَقُولُ ذَلِكَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَيَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الْمَالُ ضَامِنًا بِأَنْ يُسَلِّفَهُ سَلَفًا حَالًّا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجْعَلْهُ أَمَانَةً وَهُوَ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا، وَإِنْ وَجَدَ ثِقَةً مَلِيًّا يُضَمِّنُهُ وَوَجَدَ أَوْثَقَ مِنْهُ لاَ يُضَمِّنُهُ دَفَعَهُ إلَى الَّذِي ضَمِنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُوا إلَى أَحَدٍ أَوْ دَعَوْا إلَى غَيْرِ ثِقَةٍ اخْتَارَ لَهُمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ فِيمَنْ وَلِيَ هَذَا أَنْ يُرْزَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى يُشَارِطُوهُ هُمْ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا اجْتَهَدَ لَهُمْ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا وَهُوَ يَجِدُ ثِقَةً يَقْبَلُ أَقَلَّ مِنْهُ وَهَكَذَا يَقُولُ لَهُمْ فِيمَنْ يَصِيحُ عَلَى مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ بِمَنْ يَزِيدُ، وَفِي أَحَدٍ إنْ كَالَ مِنْهُ طَعَامًا أَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ بِسُوقٍ وَكُلُّ مَا فِيهِ صَلاَحُ الْمَبِيعِ إنْ جَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ هُمْ بِمَنْ يَكْفِي ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ مَنْ يَكْفِيهِ بِأَقَلَّ مَا يَجِدُ، وَإِذَا بِيعَ مَالُ الْمُفْلِسِ لِغَرِيمٍ بِعَيْنِهِ أَوْ غُرَمَاءَ بِأَعْيَانِهِمْ فَسَوَاءٌ هُمْ وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُمْ حَقًّا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَ الْمَالَ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إلَى مَنْ اشْتَرَاهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ يَدَيْ الْبَائِعِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَهَلَكَ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لاَ يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَكَانَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ ثُمَّ هَرَبَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَأَفْلَسَ فَذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لاَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَبَضَ الْعَدْلُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى أَوْ بَعْضَهُ فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْغُرَمَاءِ حَتَّى هَلَكَ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لاَ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْبِضُوهُ وَالْعُهْدَةُ فِيمَا بَاعَ عَلَى الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ مِلْكُهُ فِي حَقٍّ لَزِمَهُ فَهُوَ بَيْعٌ لَهُ وَعَلَيْهِ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِأَنْ تَكُونَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ مَالِكُ الْمَالِ الْمَبِيعِ، وَلاَ يَضْمَنُ الْقَاضِي، وَلاَ أَمِينُهُ شَيْئًا، وَلاَ عُهْدَةَ عَلَيْهِمَا، وَلاَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ بِيعَ لِلْغَرِيمِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ شَيْءٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ‏.‏

باب مَا جَاءَ فِي الْعُهْدَةِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ مَالِهِ فِي دَيْنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ فِي تَفْلِيسِهِ أَوْ بَاعَهُ هُوَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ لاَ نَرَاهُ لِمَنْ بَاعَ لِلْمَيِّتِ كَهِيَ لِمَنْ بَاعَ لِحَيٍّ وَالْعُهْدَةُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَهِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي‏.‏

وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ أَوْ أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ دَارًا فَبِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ أَمِينُ الْقَاضِي الْأَلْفَ فَهَلَكَتْ مِنْ يَدِهِ وَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَلاَ عُهْدَةَ عَلَى الْغَرِيمِ الَّذِي بَاعَهَا لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمَيِّتِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ أَوْ الْمُفْلِسِ فَإِنْ وُجِدَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْمُفْلِسِ مَالٌ بِيعَ ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمُعْطِي الْأَلْفَ أَلْفُهُ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ بِبَيْعٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَأَعْطَى الْغُرَمَاءَ حُقُوقَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي، وَلاَ أَمِينِهِ وَتَرْجِعُ الدَّارُ إلَى الَّذِي اسْتَحَقَّهَا وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ‏:‏ قَدْ هَلَكَتْ أَلْفُك فَأَنْتَ غَرِيمٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ مَتَى مَا وَجَدْتُ لَهُ مَالاً أَخَذْتهَا‏.‏ وَيُقَالُ لِلْغَرِيمِ‏:‏ لَمْ تَسْتَوْفِ فَلاَ عُهْدَةَ عَلَيْك فَمَتَى وَجَدْتُ لِلْمَيِّتِ مَالاً أَعْطَيْنَاك مِنْهُ، وَإِذَا وَجَدْتُمَاهُ تَحَاصَصْتُمَا فِيهِ لاَ يُقَدَّمُ مِنْكُمَا وَاحِدٌ عَلَى صَاحِبِهِ‏.‏

باب مَا جَاءَ فِي التَّأَنِّي بِمَالِ الْمُفْلِسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ الْحَيَوَانُ أَوْلَى مَالِ الْمُفْلِسِ وَالْمَيِّتِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ وَيُعَجِّلَ بِبَيْعِهِ، وَإِنْ كَانَ بِبِلاَدٍ جَامِعَةٍ لَمْ يَتَأَنَّ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ، وَلاَ يَبْلُغُ بِهِ أَنَاةَ ثَلاَثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدْ يَرَوْنَ أَنَّهُ إنْ تُؤَنَّى بِهِ ثَلاَثٌ بَلَغَ أَكْثَرَ مِمَّا يَبْلُغُ فِي يَوْمٍ أَوْ اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْحَيَوَانِ دُونَ بَعْضٍ تُؤَنَّى بِمَا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ ثَلاَثٌ دُونَ مَا لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ صَلاَحٌ لَهُ كَمَا يُعْطَى فِي الْقِيَامِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ قَالَ وَيَتَأَنَّى بِالْمَسَاكِنِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَهْلُ الْبَصَرِ بِهَا أَنْ قَدْ بَلَغَتْ أَثْمَانَهَا أَوْ قَارَبَتْهَا أَوْ تَنَاهَتْ زِيَادَتُهَا عَلَى قَدْرِ مَوَاضِعِ الْمَسَاكِنِ وَارْتِفَاعِهَا وَيَتَأَنَّى بِالْأَرْضِينَ وَالْعُيُونِ وَغَيْرِهَا بِقَدْرِ مَا وَصَفْتُ مِمَّا يَرَى أَهْلُ الرَّأْيِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى بِهَا أَوْ قُورِبَ أَوْ تَنَاهَتْ زِيَادَتُهَا وَمَا ارْتَفَعَ مِنْهَا تُؤَنَّى بِهِ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ إذَا عَلِمُوا زَادُوا فِيهِ تُؤَنَّى بِهِ إلَى عِلْمِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ الْمُفْلِسِ وَفَارَقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ ثُمَّ زِيدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ ذَلِكَ الْبَيْعِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِ الْمُشْتَرِي وَأُحِبُّ لِلْمُشْتَرِي لَوْ رَدَّهُ أَوْ زَادَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَلِلْقَاضِي طَلَبُ ذَلِكَ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَظْلِمْهُ وَأَنْفَذَهُ لَهُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْعُهْدَةِ كَبَيْعِ الرَّجُلِ مَالَ نَفْسِهِ لاَ يَفْتَرِقُ‏.‏

باب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الرَّجُلِ وَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ وَإِقْرَارِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ شِرَاءُ الرَّجُلِ وَبَيْعُهُ وَعِتْقُهُ، وَإِقْرَارُهُ، وَقَضَاؤُهُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ كُلُّهُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُفْلِسٍ وَذَا دَيْنٍ كَانَ أَوْ غَيْرَ ذِي دَيْنٍ فِي إجَازَةِ عِتْقِهِ وَبَيْعِهِ لاَ يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلاَ مِمَّا فَضَلَ مِنْهُ، وَلاَ إذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَيِّرُوهُ إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي إذَا صَيَّرُوهُ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَوْقَفَ مَالَهُ عَنْهُ فَإِذَا فَعَلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَبِيعَ مِنْ مَالِهِ، وَلاَ يَهَبَ، وَلاَ يُتْلِفَ وَمَا فَعَلَ مِنْ هَذَا فَفِيهِ قَوْلاَنِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُ وَفَضَلَ لَهُ فَضْلٌ أَجَازَ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ وَقْفَهُ لَيْسَ بِوَقْفِ حَجْرٍ إنَّمَا هُوَ وَقْفٌ كَوَقْفِ مَالِ الْمَرِيضِ فَإِذَا صَحَّ ذَهَبَ الْوَقْفُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ هَذَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ ذَهَبَ الْوَقْفُ عَنْهُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ مَا صَنَعَ مِنْ هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَنَعَ مَالَهُ وَالْحُكْمَ فِيهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَمْنَعُهُ حَتَّى يَقْسِمَ مَالَهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ أَهْلِهِ، وَإِذَا بَاعَ تَرَكَ لَهُ وَلِأَهْلِهِ قُوتَ يَوْمِهِمْ وَيُكَفَّنُ هُوَ وَمَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتُوا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بِمَا يُكَفَّنُ بِهِ مِثْلُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ لَهُ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَقِفَ الْقَاضِي مَالَهُ، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بَعْدَ وَقْفِ الْقَاضِي مَالَهُ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ أَوْ حَقٍّ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَزِمَهُ قَبْلَ وَقْفِ مَالِهِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ إقْرَارَهُ لاَزِمٌ لَهُ وَيَدْخُلُ مَنْ أَقَرَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَعَ غُرَمَائِهِ الَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ قَبْلَ وَقْفِ مَالِهِ، وَقَامَتْ لَهُمْ الْبَيِّنَةُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ أَجْعَلُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ يُقِرُّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ فَيَدْخُلُ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ أَهْلِ الدَّيْنِ الَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ فِي الصِّحَّةِ، وَكَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ وَيَدْخُلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا عَرَفَ لَهُ أَنَّهُ لِأَجْنَبِيٍّ غَصَبَهُ إيَّاهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ كَانَ لَهُ بِوَجْهٍ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ‏.‏

وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَهُ فِي كُلِّ مَنْ وُقِفَ مَالُهُ وَأَجَازَ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِمَّا فِي يَدَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي حَالِهِ تِلْكَ كَمَا يُجِيزُهُ فِي الْحَالِ قَبْلَهَا وَبِهِ أَقُولُ‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فِي شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدَيْهِ جَعَلَ إقْرَارَهُ لاَزِمًا لَهُ فِي مَالٍ إنْ حَدَثَ لَهُ بَعْدَ هَذَا وَأَحْسَنُ مَا يُحْتَجُّ بِهِ مَنْ قَالَ هَذَا أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَقْفِي مَالَهُ هَذَا فِي حَالِهِ هَذِهِ لِغُرَمَائِهِ كَرَهْنِهِ مَالَهُ لَهُمْ فَيَبْدَءُونَ فَيُعْطَوْنَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كَانَ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ فَضْلٌ كَانَ مَالُهُمْ فِي ذِمَّتِهِ وَيَدْخُلُ هَذَا الْقَوْلَ أَمْرٌ يَتَفَاحَشُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ عَلَى الْمَرِيضِ يُوقَفُ مَالُهُ، وَلاَ عَلَى الْمَحْجُورِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَيَدْخُلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ لاَ يَكُونُ إلَّا مَعْرُوفًا بِمَعْرُوفٍ وَيَدْخُلُ هَذَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ أَدْخَلَهُ فِي مَالِهِ وَمَا وَجَدَ لَهُ مِنْ مَالٍ لاَ يَعْرِفُهُ، وَلاَ غُرَمَاؤُهُ أَعْطَاهُ غُرَمَاءَهُ‏.‏

وَيَدْخُلُهُ أَنَّ رَجُلاً لَوْ كَانَ مَشْهُودًا عَلَيْهِ بِالْفَقْرِ، وَكَانَ صَائِغًا أَوْ غَسَّالاً مُفْلِسًا وَفِي يَدِهِ حُلِيٌّ ثَمَنُ مَالٍ وَثِيَابٌ ثَمَنُ مَالٍ جَعَلْتُ الثِّيَابَ وَالْحُلِيَّ لَهُ حَتَّى يُوَفِّيَ غُرَمَاءَهُ حُقُوقَهُمْ‏.‏

وَيَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا أَنْ يَزْعُمَ هَذَا فِي دَلَّالَةٍ يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهَا الْجَوَارِي ثَمَنُ أُلُوفٍ دَنَانِيرَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهَا لاَ تَمْلِكُ كَبِيرَ شَيْءٍ فَتُفْلِسُ يَجْعَلُ لَهَا الْجَوَارِيَ وَيَبِيعُهُنَّ عَلَيْهَا وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ مَا فِي يَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ هَذَا أَحَدٌ فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ هَذَا تَرَكَ الْقِيَاسَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ ثُمَّ لَعَلَّهُ يَلْزَمُهُ لَوْ بِيعَ عَلَيْهِ عَبْدٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ أَبَقَ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ أَرَادَ كَسْرَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَيُبَاعُ مَالُهُ وَعَلَيْهِ عُهْدَتُهُ، وَلاَ يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَدْخُولٌ كَثِيرُ الدَّخْلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَوْلِي وَأَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيقَ وَالْخِيَرَةَ بِرَحْمَتِهِ‏.‏

باب مَا جَاءَ فِي هِبَةِ الْمُفْلِسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُثِيبَهُ فَقَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَقَبَضَ ثُمَّ أَفْلَسَ بَعْدَ الْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يُثِيبَهُ فَمَنْ أَجَازَ الْهِبَةَ عَلَى الثَّوَابِ خَيَّرَ الْمَوْهُوبَ لَهُ بَيْنَ أَنْ يُثِيبَهُ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هِبَتَهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لَمْ تُنْتَقَصْ ثُمَّ جَعَلَ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ فِي الثَّوَابِ فَإِنْ أَثَابَهُ قِيمَتَهَا أَوْ أَضْعَافَ قِيمَتِهَا فَلَمْ يَرْضَ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَتَكُونَ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَثَابَهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَرَضِيَ أَجَازَ رِضَاهُ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ فَلَمَّا كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولاً كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلاً فَهَذَا مَلَكَهُ بِعِوَضٍ، وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَكَانَ بِالْبَيْعِ أَشْبَهَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ بِعِوَضٍ وَهَذَا بِعِوَضٍ فَلَمَّا كَانَ مَجْهُولاً بَطَلَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ فَاتَتْ الْهِبَةُ فِي يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ فَمَا أَثَابَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَجَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَهُ قِيمَةُ هِبَتِهِ، وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً لِيُثِيبَهُ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْوَاهِبُ وَالْهِبَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَمَنْ جَعَلَهُ عَلَى هِبَتِهِ أَوْ يُثَابُ مِنْهَا كَانَ الثَّوَابُ إلَى الْوَاهِبِ فَإِنْ رَضِيَ بِقَلِيلٍ، وَكَرِهَ ذَلِكَ غُرَمَاؤُهُ جَازَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَضِيَ تَرْكَ الثَّوَابَ، وَقَالَ لَمْ أَهَبْهَا لِلثَّوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِقِيمَتِهَا كَانَ عَلَى هِبَتِهِ سَوَاءٌ نَقَصَتْ الْهِبَةُ أَوْ زَادَتْ‏.‏

وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَإِنْ فَاتَتْ بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ فَلاَ شَيْءَ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِذَا كَانَ عَلَى هِبَتِهِ فَفَاتَتْ فَلاَ شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَدْ كَانَ لَهُ قَدْ فَاتَ، وَلاَ يُضْمَنُ لَهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ فَتَتْلَفُ الشُّفْعَةُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ‏.‏

باب حُلُولِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالدَّيْنِ عَلَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ، وَلَهُ عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَهِيَ إلَى أَجَلِهَا لاَ تَحِلُّ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ عَلَى الْمَيِّتِ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيتُ بِأَنَّهَا حَالَّةٌ يَتَحَاصُّ فِيهَا الْغُرَمَاءُ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كَانَ لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ وَوَصَايَاهُ إنْ كَانَتْ لَهُ قَالَ وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ تَتَابُعِهِمْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولُوا لَمَّا كَانَ غُرَمَاءُ الْمَيِّتِ أَحَقَّ بِمَالِهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْهُ كَانُوا أَحَقَّ بِمَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ فَلَوْ تَرَكْنَا دُيُونَهُمْ إلَى حُلُولِهَا كَمَا يَدَعُهَا فِي الْحَيَاةِ كُنَّا مَنَعْنَا الْمَيِّتَ أَنْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ وَمَنَعْنَا الْوَارِثَ أَنْ يَأْخُذَ الْفَضْلَ عَنْ دَيْنِ غَرِيمِ أَبِيهِ، وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ»‏.‏

أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا كَانَ كَفَنُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ دُونَ غُرَمَائِهِ وَنَفْسُهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ، وَكَانَ الْمَالُ مِلْكًا لَهُ أَشْبَهَ أَنْ يُجْعَلَ قَضَاءَ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمَيِّتِ زَائِلاً عَنْهُ فَلاَ يَصِيرُ إلَى غُرَمَائِهِ، وَلاَ إلَى وَرَثَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَرَثَتُهُ دُونَ غُرَمَائِهِ، وَلَوْ وَقَفَ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ عَلَّقَ رُوحَهُ بِدَيْنِهِ، وَكَانَ مَالُهُ مُعَرَّضًا أَنْ يَهْلِكَ فَلاَ يُؤَدِّي عَنْ ذِمَّتِهِ، وَلاَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْزِلَةٌ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُ ثُمَّ يُعْطَى مَا بَقِيَ وَرَثَتُهُ‏.‏

باب مَا حَلَّ مِنْ دَيْنِ الْمُفْلِسِ وَمَا لَمْ يَحِلَّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفْتِينَ مِمَّنْ حَفِظْتُ عَنْهُ إلَى أَنَّ دُيُونَهُ الَّتِي إلَى أَجَلٍ حَالَّةً حُلُولَ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَهَذَا قَوْلٌ يَتَوَجَّهُ مِنْ أَنَّ مَالَهُ وُقِفَ وَقْفَ مَالِ الْمَيِّتِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ مَنْ شَاءَ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا أَنَّهُمْ إذَا حَكَمُوا لَهُ حُكْمَ الْمَيِّتِ انْبَغَى أَنْ يُدْخِلُوا مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ مَعَ غُرَمَائِهِ، وَكَذَلِكَ يُخْرِجُونَ مِنْ يَدَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ كَمَا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ بِالْمَرِيضِ يُقِرُّ ثُمَّ يَمُوتُ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاعَ لِمَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَيُؤَخِّرَ الَّذِينَ دُيُونُهُمْ مُتَأَخِّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ وَالْمَيِّتُ لاَ يَمْلِكُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَا كَانَ لِلْمَيِّتِ مِنْ دَيْنٍ عَلَى النَّاسِ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ لاَ يَحِلُّ مَالُهُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ بِتَفْلِيسِهِ‏.‏

باب مَا جَاءَ فِي حَبْسِ الْمُفْلِسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَالٌ يُرَى فِي يَدَيْهِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ قَامَ أَهْلُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَأَثْبَتُوا حُقُوقَهُمْ فَإِنْ أَخْرَجَ مَالاً أَوْ وُجِدَ لَهُ ظَاهِرٌ يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ أُعْطُوا حُقُوقَهُمْ، وَلَمْ يُحْبَسْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ حُبِسَ وَبِيعَ فِي مَالِهِ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنْ ذَكَرَ حَاجَةً دَعَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا وَأَقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَاجَةِ وَأَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ إذَا كَانُوا عُدُولاً خَابِرِينَ بِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَلاَ أَحْبِسُهُ وَيَوْمَ أَحْبِسُهُ وَبَعْدَ مُدَّةٍ أَقَامَهَا فِي الْحَبْسِ وَأُحَلِّفُهُ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِاَللَّهِ مَا يَمْلِكُ، وَلاَ يَجِدُ لِغُرَمَائِهِ قَضَاءً فِي نَقْدٍ، وَلاَ عَرَضٍ، وَلاَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ أُخَلِّيهِ وَأَمْنَعُ غُرَمَاءَهُ مِنْ لُزُومِهِ إذَا خَلَّيْتُهُ ثُمَّ لاَ أُعِيدُهُ لَهُمْ إلَى حَبْسٍ حَتَّى يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قَدْ أَفَادَ مَالاً فَإِنْ جَاءُوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قَدْ رُئِيَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ سَأَلْتُهُ فَإِنْ قَالَ مَالُ مُضَارَبَةٍ لَمْ أَعْمَلْ فِيهِ أَوْ عَمِلْتُ فِيهِ فَلَمْ يَنِضَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِي فِيهِ فَضْلٌ قَبِلْت ذَلِكَ مِنْهُ وَأَحْلَفْتُهُ إنْ شَاءُوا، وَإِنْ جَحَدَ حَبَسْتُهُ أَيْضًا حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ كَمَا جَاءَ بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَحْلَفْتُهُ كَمَا أَحَلَفْته فِيهَا، وَلاَ أُحَلِّفُهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَبْسَتَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ وَأَسْأَلُ عَنْهُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِهِ فَيُخْبِرُونِي بِحَاجَتِهِ، وَلاَ غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْكَشْفِ عَنْهُ فَمَتَى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا وَصَفْتُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغْفِلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَجَمِيعُ مَا لَزِمَهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ سَوَاءٌ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يُحَاصُّونَ فِي مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ مَالٌ بِعَيْنِهِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ، وَلاَ يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلاَ يُؤْخَذُ الْحُرُّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ، وَلاَ يُحْبَسُ إذَا عُرِفَ أَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ وَإِذَا حُبِسَ الْغَرِيمُ وَفَلِسَ وَأُحْلِفَ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ حَبْسٌ، وَلاَ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ لَهُ يُسْرٌ بَعْدَ الْحَبْسِ فَيُحْبَسُ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ، وَإِذَا حُبِسَ وَأُحْلِفَ وَفَلِسَ وَخُلِّيَ ثُمَّ أَفَادَ مَالاً جَازَ لَهُ فِيمَا أَفَادَ مَا صَنَعَ مِنْ عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ السُّلْطَانُ وَقْفًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ، وَإِنَّمَا وَقَفَ لِيَمْنَعَهُ مَالَهُ وَيَقْسِمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَمَا أَفَادَ آخَرَ فَلاَ وَقْفَ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِذَا فَلِسَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ عُرُوضٌ مَوْصُوفَةٌ وَعَيْنٌ مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَجِنَايَةٍ وَمَهْرِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَزِمَهُ بِوَجْهٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُحَاصُّ أَهْلَ الْعُرُوضِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ يُفْلِسُ فَمَا أَصَابَهُمْ اشْتَرَى لَهُمْ بِهِ عَرَضًا مِنْ شَرْطِهِمْ فَإِنْ اسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفُوا أَوْ اسْتَوْفُوا أَنْصَافَهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَلِأَهْلِ الْعُرُوضِ أَنْ يُقَوَّمَ لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنْ عُرُوضِهِمْ عِنْدَ التَّفْلِيسَةِ الثَّانِيَةِ فَيَشْتَرِي لَهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا عُرُوضَهُمْ إذَا وَجَدُوا لَهُ مَالاً وَبَعْضَهَا إذَا لَمْ يَجِدُوا كُلَّهَا إذَا وَجَدُوهُ‏.‏

باب مَا جَاءَ فِي الْخِلاَفِ فِي التَّفْلِيسِ

قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ هَلْ خَالَفَك أَحَدٌ فِي التَّفْلِيسِ‏؟‏ فَقَالَ نَعَمْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي التَّفْلِيسِ فَزَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ بِنَقْدٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَفْلَسَ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ الْبَائِعُ فِيهَا وَغَيْرُهُ مِنْ غُرَمَائِهِ سَوَاءً فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَالَ لِي قَائِلٌ مِنْهُمْ‏:‏ أَرَأَيْتَ إذَا بَاعَ الرَّجُلُ أَمَةً وَدَفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي أَمَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِلْكًا صَحِيحًا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا‏؟‏ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَفَرَأَيْتَ لَوْ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا ثُمَّ أَفْلَسَ أَتَرُدُّ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَتَجْعَلُهَا رَقِيقًا‏؟‏ قُلْتُ لاَ فَقَالَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا صَحِيحًا‏.‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ تَنْقُضُ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ‏؟‏ فَقُلْت نَقَضْته بِمَا لاَ يَنْبَغِي لِي، وَلاَ لَك، وَلاَ لِمُسْلِمٍ عَلِمَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُضَهُ لَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمَا هُوَ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْتَ إنْ لَمْ أُثْبِتْ لَك الْخَبَرَ‏؟‏ قُلْت إذًا تَصِيرُ إلَى مَوْضِعِ الْجَهْلِ أَوْ الْمُعَانَدَةِ قَالَ إنَّمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ فَقُلْت مَا نَعْرِفُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَةً إلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ، وَإِنَّ فِي ذَلِكَ لَكِفَايَةً تَثْبُتُ بِمِثْلِهَا السُّنَّةُ قَالَ أَفَتُوجِدُنَا أَنَّ النَّاسَ يُثْبِتُونَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ أَوْ لِغَيْرِهِ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ قَالَ وَأَيْنَ هِيَ‏؟‏ قُلْت قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا»‏؟‏ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ غَيْرُهُ قَالَ أَجَلْ‏.‏

وَلَكِنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا عَلَيْهَا فَقُلْت فَذَلِكَ أَوْجَبُ لِلْحُجَّةِ عَلَيْك أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ، وَلاَ يَذْهَبُونَ فِيهِ إلَى تَوْهِينِهِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏، وَقُلْت لَهُ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» فَأَخَذْنَا بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ وَأَخَذْت بِجُمْلَتِهِ فَقُلْت الْكَلْبُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا وَلَغَ فِيهِ، وَلَمْ تُوهِنْهُ بِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِرَّةِ أَنَّهَا لاَ تُنَجِّسُ الْمَاءَ، وَنَحْنُ وَأَنْتَ نَقُولُ لاَ تُؤْكَلُ الْهِرَّةُ فَتَجْعَلُ الْكَلْبَ قِيَاسًا عَلَيْهَا فَلاَ تُنَجِّسُ الْمَاءَ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ، وَلَمْ يَرْوِهِ إلَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ قَبِلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَبِلُوهُ قُلْت فَإِذَا قَبِلُوهُ فِي مَوْضِعٍ وَمَوَاضِعَ وَجَبَ عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ قَبُولُ خَبَرِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَأَنْتَ تَحْكُمُ فَتَقْبَلُ مَا شِئْت وَتَرُدُّ مَا شِئْت‏.‏ فَقَالَ‏:‏ قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى أَشْيَاءَ لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ مِمَّا ذَكَرْت وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثُ الْأَجِيرِ وَغَيْرِهِ أَفَتَعْلَمُ غَيْرَهُ انْفَرَدَ بِرِوَايَةٍ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» فَصِرْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ إلَيْهِ وَتَرَكْتَ قَوْلَ صَاحِبِك وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الصَّدَقَةُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ، وَقَدْ يَجِدَانِ تَأْوِيلاً مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏ وَلَمْ يَذْكُرْ قَلِيلاً، وَلاَ كَثِيرًا وَمِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّالِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» قَالَ أَجَلْ‏.‏ قُلْنَا وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، لاَ يُرْوَى عَنْ غَيْرِهِ عَلِمْته إلَّا مِنْ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ الرِّجَالِ فَقَبِلْنَاهُ نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفَنَا الْمَكِّيُّونَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ‏}‏ الآيَةَ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ‏}‏ وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَزَعَمْنَا أَنَّ الرِّوَايَةَ الْوَاحِدَةَ تَثْبُتُ بِهَا الْحُجَّةُ، وَلاَ حُجَّةَ فِي تَأْوِيلٍ، وَلاَ حَدِيثٍ عَنْ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَمَّا مَا وَصَفْتَ فَكَمَا وَصَفْتُ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَإِذَا جَاءَ مِثْلُ هَذَا فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْهُ حُجَّةً‏؟‏ قَالَ مَا كَانَتْ حُجَّتُنَا فِي أَنْ لاَ نَقُولَ قَوْلَكُمْ فِي التَّفْلِيسِ إلَّا هَذَا قُلْنَا، وَلاَ حُجَّةَ لَك فِيهِ؛ لِأَنِّي قَدْ وَجَدْتُك تَقُولُ وَغَيْرُك وَتَأْخُذُ بِمِثْلِهِ فِيهِ قَالَ آخَرُ إنَّا قَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شَبِيهًا بِقَوْلِنَا قُلْنَا وَهَذَا مِمَّا لاَ حُجَّةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك؛ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا مَعًا إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّا قُلْنَا لَمْ نَعْلَمْ أَبَا بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرَ، وَلاَ عُثْمَانَ رضي الله عنهم قَضَوْا بِمَا رَوَيْتُمْ فِي التَّفْلِيسِ قُلْنَا، وَلاَ رَوَيْتُمْ أَنَّهُمْ، وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» «وَلاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ خَالَتِهَا»، وَلاَ تَحْرِيمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَاكْتَفَيْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا‏.‏ قُلْنَا فَفِيهِ الْكِفَايَةُ الْمُغْنِيَةُ عَمَّا سِوَاهَا وَمَا سِوَاهَا تَبَعٌ لَهَا لاَ يَصْنَعُ مَعَهَا شَيْئًا إنْ وَافَقَهَا تَبَعُهَا، وَكَانَتْ بِهِ الْحَاجَةُ إلَيْهَا، وَإِنْ خَالَفَهَا تُرِكَ وَأُخِذَتْ السُّنَّةُ قَالَ وَهَكَذَا نَقُولُ‏.‏ قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَلاَ تَفِي بِذَلِكَ فِي التَّفْرِيعِ قَالَ فَإِنِّي لَمْ أَنْفَرِدْ بِمَا عِبْتَ عَلَيَّ قَدْ شَرِكَنِي فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِك وَغَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بِأَحَادِيثَ وَرَدُّوا أُخْرَى‏.‏ قُلْت‏:‏ فَإِنْ كُنْتَ حَمِدْتَهُمْ عَلَى هَذَا فَأَشْرِكْهُمْ فِيهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ إذَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَكُونَ بِالْخِيَارِ فِي الْعِلْمِ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَقُلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّك ذَمَمْتَ ذَلِكَ مِمَّنْ فَعَلَهُ فَانْتَقِلْ عَنْ مِثْلِ مَا ذَمَمْتَ، وَلاَ تَجْعَلْ الْمَذْمُومَ حُجَّةً‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنِّي أَسْأَلُك عَنْ شَيْءٍ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَسَلْ قَالَ كَيْفَ نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ‏؟‏ قُلْت أَوَتَرَى لِلْمَسْأَلَةِ مَوْضِعًا فِيمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لاَ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنِي هَلْ تَجِدُ مِثْلَ هَذَا غَيْرَ هَذَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ أَرَأَيْتَ دَارًا بِعْتهَا لَك فِيهَا شُفْعَةٌ أَلَيْسَ الْمُشْتَرِي مَالِكًا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَاقُهُ وَصَدَقَتُهُ فِيمَا ابْتَاعَ، وَيَجُوزُ لَهُ هَدْمُهُ وَبِنَاؤُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَإِذَا جَاءَ الَّذِي لَهُ الشُّفْعَةُ أَخَذَ ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَرَاك نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ، وَلَكِنِّي نَقَضْته بِالسُّنَّةِ وَقُلْت أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُصْدِقُ الْمَرْأَةَ الْأَمَةَ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهَا وَالْغَنَمَ فَتَلِدُ الْأَمَةُ وَالْغَنَمُ أَلَيْسَ إنْ مَاتَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا كَانَ مَا أَصْدَقهَا لَهَا قَبْلَ مَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ لَهَا عِتْقُ الْأَمَةِ وَبَيْعُهَا وَبَيْعُ الْمَاشِيَةِ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى قُلْت‏:‏ أَفَرَأَيْتَ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ تَفُوتُ فِي الْجَارِيَةِ، وَلاَ الْغَنَمِ شَيْئًا وَهُوَ فِي يَدَيْهَا بِحَالِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يُنْتَقَضُ الْمِلْكُ وَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغَنَمِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلاَدٌ أَوْ نِصْفُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ لَهَا أَوْلاَدٌ؛ لِأَنَّهُمْ حَدَثُوا فِي مِلْكِهَا قُلْنَا فَكَيْفَ نَقَضْتَ الْمِلْكَ الصَّحِيحَ‏؟‏ قَالَ بِالْكِتَابِ قُلْنَا فَمَا نَرَاك عِبْتَ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ شَيْئًا إلَّا دَخَلَ عَلَيْك فِي الشُّفْعَةِ وَالصَّدَاقِ مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ‏.‏ قَالَ‏:‏ حُجَّتِي فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ قُلْنَا‏:‏ وَكَذَلِكَ حُجَّتُنَا فِي مَالِ الْمُفْلِسِ سُنَّةٌ فَكَيْفَ خَالَفْتهَا‏؟‏ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نُوَافِقُك فِي مَالِ الْمُفْلِسِ إذَا كَانَ حَيًّا وَنُخَالِفُك فِيهِ إذَا مَاتَ وَحُجَّتُنَا فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ الَّذِي قَدْ سَمِعْتَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ كَانَ فِيمَا قَرَأْنَا عَلَى مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» فَقَالَ لِي فَلِمَ لَمْ تَأْخُذْ بِهَذَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَمَنْ خَالَفَنَا مِمَّنْ حَكَيْت قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْدِي لَهُ بِهِ عُذْرٌ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ قَوْلاً وَاحِدًا وَأَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ الْحَدِيثَ فَلَمَّا صِرْتُمْ إلَى تَفْرِيعِهِ فَارَقْتُمُوهُ فِي بَعْضٍ وَوَافَقْتُمُوهُ فِي بَعْضٍ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ فَلِمَ لَمْ تَأْخُذْ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ الَّذِي أَخَذْتُ بِهِ أَوْلَى بِي مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَا أَخَذْتُ بِهِ مَوْصُولٌ يَجْمَعُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْإِفْلاَسِ وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ مُنْقَطِعٌ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِهِ حُجَّةٌ إلَّا هَذَا انْبَغَى لِمَنْ عَرَفَ الْحَدِيثَ تَرْكُهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ مَا رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ مُرْسَلاً إنْ كَانَ رَوَى كُلَّهُ فَلاَ أَدْرِي عَمَّنْ رَوَاهُ، وَلَعَلَّهُ رَوَى أَوَّلَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بِرَأْيِهِ آخِرَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ انْتَهَى بِالْقَوْلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَا زَادَ عَلَى هَذَا قَوْلاً مِنْ أَبِي بَكْرٍ لاَ رِوَايَةً، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَبِيعُ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَكُونُ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ يَجُوزُ لَهُ فِيهَا مَا يَجُوزُ لِذِي الْمَالِ فِي الْمَالِ مِنْ وَطْءِ أَمَةٍ وَبَيْعِهَا وَعِتْقِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهَا فَإِذَا أَفْلَسَ وَالسِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ التَّسْلِيطُ عَلَى نَقْضِ عُقْدَةِ الْبَيْعِ‏.‏ كَمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ، وَقَدْ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَكَانَ الْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ لَوْ مَاتَ كَانَ لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ مِنْ وَرَثَتِهِ كَمَا لَهُ أَخْذُهَا مِنْ يَدَيْهِ فَكَيْفَ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الَّذِي يَجِدُ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍ، وَإِنْ مَاتَ كَمَا كَانَ لِبَائِعِهِ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ مَالِكِهِ، وَكَمَا قُلْنَا فِي الشُّفْعَةِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْوَرَثَةُ يَمْلِكُونَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْعَ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا عَنْهُ وَرِثُوهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْعُهَا مِنْ أَنْ يَنْقُضَ بَائِعُهَا الْبَيْعَ إذَا لَمْ يُعْطِ ثَمَنَهَا كَامِلاً فَلاَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فِي حَالِ مَا وَرِثُوا عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَقَدْ جَعَلْتُمْ لِلْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلْمُورِثِ الَّذِي عَنْهُ مَلَكُوهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ عَيْنَ مَالِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لاَ يُفِيدُ شَيْئًا أَبَدًا وَالْحَيُّ يُفْلِسُ فَتُرْجَى إفَادَتُهُ وَأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ فَضَعَّفْتُمْ الْأَقْوَى، وَقَوَّيْتُمْ الْأَضْعَفَ وَتَرَكْتُمْ بَعْضَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخَذْتُمْ بِبَعْضِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا رَوَيْنَا‏.‏ قُلْنَا‏:‏ وَإِنْ لَمْ تَرْوُوهُ فَقَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ فَلاَ يُوهِنُهُ أَنْ لاَ تَرْوُوهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَمْ تَرْوُوهُ فَلَمْ يُوهِنْهُ ذَلِكَ‏.‏

بُلُوغُ الرُّشْدِ وَهُوَ الْحَجْرُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ الْحَالُ الَّتِي يَبْلُغُ فِيهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ رُشْدَهُمَا حَتَّى يَكُونَا يَلِيَانِ أَمْوَالَهُمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبُرُوا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ عَلَى الْيَتَامَى حَتَّى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ‏:‏ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ فَالْبُلُوغُ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَكُونَ ذَلِكَ الْبُلُوغَ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا جَمَعُوا الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَكَانُوا أَوْلَى بِوِلاَيَةِ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَجَازَ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يَجُوزُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ الْوِلاَيَةِ مِمَّنْ وُلِّيَ فَخَرَجَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يُوَلَّ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِمَا سَوَاءٌ‏.‏

وَالرُّشْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّلاَحُ فِي الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلاَحُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلاَحُ الْمَالِ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ وَالِاخْتِبَارُ يَخْتَلِفُ بِقَدْرِ حَالِ الْمُخْتَبَرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ مِمَّنْ يَتَبَذَّلُ فَيَخْتَلِطُ النَّاسُ اسْتَدَلَّ بِمُخَالَطَتِهِ النَّاسَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ تَوْفِيرَ مَالِهِ وَالزِّيَادَةَ فِيهِ وَأَنْ لاَ يُتْلِفَهُ فِيمَا لاَ يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعُهُ كَانَ اخْتِبَارُ هَذَا قَرِيبًا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصَانُ عَنْ الْأَسْوَاقِ كَانَ اخْتِبَارُهُ أَبْعَدَ قَلِيلاً مِنْ اخْتِبَارِ الَّذِي قَبْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَإِنْ أَحْسَنَ إنْفَاقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَأَحْسَنَ شِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا مَعَ النَّفَقَةِ اُخْتُبِرَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ فَإِذَا أُونِسَ مِنْهُ تَوْفِيرٌ لَهُ وَعَقْلٌ يَعْرِفُ بِهِ حُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فِي إبْقَاءِ مَالِهِ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ‏.‏

وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مَعَ عِلْمِ صَلاَحِهَا بِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا قَلِيلاً فَيَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بِهَا بِمِثْلِ مَا وَصَفْنَا مِنْ دَفْعِ النَّفَقَةِ وَمَا يُشْتَرَى لَهَا مِنْ الْأُدْمِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا آنَسُوا مِنْهَا صَلاَحًا لِمَا تُعْطَى مِنْ نَفَقَتِهَا كَمَا وَصَفْت فِي الْغُلاَمِ الْبَالِغِ فَإِذَا عُرِفَ مِنْهَا صَلاَحٌ دُفِعَ إلَيْهَا الْيَسِيرُ مِنْهُ فَإِنْ هِيَ أَصْلَحَتْهُ دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا نُكِحَتْ أَوْ لَمْ تُنْكَحْ لاَ يَزِيدُ فِي رُشْدِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْهُ النِّكَاحُ وَلاَ تَرْكُهُ كَمَا لاَ يَزِيدُ فِي رُشْدِ الْغُلاَمِ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْهُ وَأَيُّهُمَا نَكَحَ وَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ وَوُلِدَ لَهُ وُلِّيَ عَلَيْهِ مَالُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ إذَا جَمَعَ الرُّشْدَ مَعَ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَيُّهُمَا صَارَ إلَى وِلاَيَةِ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي مَالِهِ مَا يَفْعَلُ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَذَاتُ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرُ ذَاتِ زَوْجٍ، وَلَيْسَ الزَّوْجُ مِنْ وِلاَيَةِ مَالِ الْمَرْأَةِ بِسَبِيلٍ، وَلاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْته أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَجْمَعَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ سَوَاءٌ فِي دَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْيَتَامَى فَإِذَا صَارَا إلَى أَنْ يَخْرُجَا مِنْ الْوِلاَيَةِ فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ مَا يَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ لاَ يُوَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُهُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ الْمَرْأَةُ ذَاتُ الزَّوْجِ مُفَارِقَةٌ لِلرَّجُلِ لاَ تُعْطِي الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ لَهُ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى إذَا بَلَغُوا الرُّشْدَ يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ مَا قُلْت؛ لِأَنَّ مَنْ أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْوِلاَيَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عَلَيْهِ إلَّا بِحَالٍ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ سَفَهٍ وَفَسَادٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أَوْ حَقٌّ يَلْزَمُهُ لِمُسْلِمٍ فِي مَالِهِ فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ هَكَذَا فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ فَإِنْ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا فَعَلَيْك أَنْ تَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ عَلَى فَرْقِك بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنْ «لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا»‏.‏ قِيلَ‏:‏ قَدْ سَمِعْنَاهُ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِهِ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَثَرُ ثُمَّ الْمَعْقُولُ فَإِنْ قَالَ فَاذْكُرْ الْقُرْآنَ قُلْنَا الْآيَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ وَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خَبَرٍ لاَزِمٍ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَفَتَجِدُ فِي الْقُرْآنِ دَلاَلَةً عَلَى مَا وَصَفْت سِوَى هَذَا‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ مِنْ الرِّجَالِ مَا وَجَبَ لَهُمْ‏.‏

وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مُسَلَّطَةٌ عَلَى أَنْ تَعْفُوَ مِنْ مَالِهَا وَنَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَسَوَّى بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَفْوِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَجَبَ لَهُ يَجُوزُ عَفْوُهُ إذَا دَفَعَ الْمَهْرَ كُلَّهُ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ فَعَفَاهُ جَازَ، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهُ فَعَفَتْهُ جَازَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏ فَجَعَلَ فِي إيتَائِهِنَّ مَا فَرَضَ لَهُنَّ مِنْ فَرِيضَةٍ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ يَدْفَعُونَهُ إلَيْهِنَّ دَفْعَهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ مِمَّنْ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ بِوَجْهٍ وَحَلَّ لِلرِّجَالِ أَكْلُ مَا طَابَ نِسَاؤُهُمْ عَنْهُ نَفْسًا كَمَا حَلَّ لَهُمْ مَا طَابَ الْأَجْنَبِيُّونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَنْهُ نَفْسًا وَمَا طَابُوا هُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ عَنْهُ نَفْسًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُكْمِهِمْ وَحُكْمِ أَزْوَاجِهِمْ وَالْأَجْنَبِيِّينَ وَغَيْرِ أَزْوَاجِهِمْ فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ دَفْعِ حُقُوقِهِنَّ، وَأَحَلَّ مَا طِبْنَ عَنْهُ نَفْسًا مِنْ أَمْوَالِهِنَّ وَحَرَّمَ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ مَا حَرَّمَ مِنْ أَمْوَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ فِيمَا ذَكَرْت، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ فَأَحَلَّهُ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَمَا حَلَّ لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ بِغَيْرِ تَوْقِيتِ شَيْءٍ فِيهِ ثُلُثٌ، وَلاَ أَقَلُّ، وَلاَ أَكْثَرُ وَحَرَّمَهُ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ كَمَا حَرَّمَ أَمْوَالَ الْأَجْنَبِيِّينَ أَنْ يَغْتَصِبُوهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِهِ وَفِي أَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَزِمٌ لَهُ فِي مَالِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا مَنْ شَاءَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَكَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ مَهْرَهَا وَتَهَبَهُ، وَلاَ تَضَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَكَانَ لَهَا إذَا طَلَّقَهَا أَخْذُ نِصْفِ مَا أَعْطَاهَا لاَ نِصْفِ مَا اشْتَرَتْ لَهَا دُونَهُ إذَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ كَانَ لَهَا حَبْسُهُ وَمَا أَشْبَهَهُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَأَيْنَ السُّنَّةُ فِي هَذَا‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ هَذِهِ‏؟‏» فَقَالَتْ‏:‏ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ «مَا شَأْنُك‏؟‏» فَقَالَتْ‏:‏ لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا، فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ» فَقَالَتْ حَبِيبَةُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «خُذْ مِنْهَا» فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلاَةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّهَا إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَخْذُ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ لاَ يَجُوزُ لَهَا فِي مَالِهَا مَا يَجُوزُ لِمَنْ لاَ حَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ مَا حَلَّ لَهُ خَلْعُهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَأَيْنَ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ‏؟‏ قُلْت إذَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِزَوْجِهَا مَا أَعْطَتْهُ فَهَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ مَالُهُ وَإِذَا كَانَ مَالُهَا يُورَثُ عَنْهَا وَكَانَتْ تَمْنَعُهُ زَوْجَهَا فَيَكُونُ لَهَا فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ قَالَ، وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى الْحَدِيثِ الَّذِي لاَ يَثْبُتُ أَنْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ دُونِ زَوْجِهَا إلَّا مَا أَذِنَ زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لَهَا، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ وَلِيًّا لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَوَهَبَتْ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ هِبَتَهَا لَهُ كَهِبَتِهَا لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لاَ تُعْطِي مِنْ مَالِهَا دِرْهَمًا، وَلاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيعَ فِيهِ، وَلاَ تَبْتَاعَ، وَيُحْكَمُ لَهَا وَعَلَيْهَا حُكْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ زَوْجَهَا شَرِيكٌ لَهَا فِي مَالِهَا سُئِلَ أَبِالنِّصْفِ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَتَصْنَعُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مَا شَاءَتْ وَيَصْنَعُ بِالنِّصْفِ مَا شَاءَ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ‏؟‏ قُلْت فَاجْعَلْ لَهَا مِنْ مَالِهَا شَيْئًا فَإِنْ قَالَ‏:‏ مَالُهَا مَرْهُونٌ لَهُ‏.‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَبِكَمْ هُوَ مَرْهُونٌ حَتَّى تَفْتَدِيَهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَيْسَ بِمَرْهُونٍ‏.‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَقُلْ فِيهِ مَا أَحْبَبْت فَهُوَ لاَ شَرِيكَ لَهَا فِي مَالِهَا، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَك وَعِنْدَنَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ مَالُهَا مَرْهُونًا فَتَفْتَكُّهُ، وَلَيْسَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لَهَا، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لَهَا، وَكَانَ سَفِيهًا أَخْرَجْنَا وِلاَيَتَهَا مِنْ يَدَيْهِ وَوَلَّيْنَا غَيْرَهُ عَلَيْهَا وَمَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ لَمْ يَخْرُجْ إلَى أَثَرٍ يُتَّبَعُ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ‏.‏

وَإِذَا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا الثُّلُثَ لاَ تَزِيدُ عَلَيْهِ فَلِمَ يَجْعَلُهَا مُوَلًّى عَلَيْهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ زَوْجَهَا شَرِيكًا، وَلاَ مَالَهَا مَرْهُونًا فِي يَدَيْهِ، وَلاَ هِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ مَالِهَا، وَلاَ مُخَلًّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ثُمَّ يُجِيزُ لَهَا بَعْدَ زَمَانٍ إخْرَاجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثِ بَعْدَ زَمَانٍ حَتَّى يَنْفَدَ مَالُهَا فَمَا مَنَعَهَا مَالَهَا، وَلاَ خَلَّاهَا وَإِيَّاهُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ هُوَ نَكَحَهَا عَلَى الْيُسْرِ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ نُكِحَتْ مُفْلِسَةً ثُمَّ أَيْسَرَتْ بَعْدُ عِنْدَهُ أَيَدَعُهَا وَمَالَهَا‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ نَعَمْ فَقَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَجْرِ وَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ فَقَدْ مَنَعَهَا مَا لَمْ تَغُرَّهُ بِهِ أَوَرَأَيْت إذَا قَالَ غَرَّتْهُ فَلاَ أَتْرُكُهَا تُخْرِجُ مَالَهَا ضِرَارًا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ أَفَرَأَيْت إنْ غُرَّ فَقِيلَ هِيَ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا غَيْرَ جَمِيلَةٍ أَوْ غُرَّ فَقِيلَ هِيَ مُوسِرَةٌ فَوَجَدَهَا مُفْلِسَةً أَيَنْقُصُ عَنْهُ مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يَرُدُّهُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ‏؟‏ أَوَرَأَيْت إذَا قَالَ هَذَا فِي الْمَرْأَةِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ دَيِّنًا مُوسِرًا فَنَكَحَ شَرِيفَةً، وَأَعْلَمَتْنَا أَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْهُ إلَّا بِيُسْرِهِ ثُمَّ خَدَعَهَا فَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَهُ فَقَدْ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا مِنْ مَالِهَا مَا أَبَاحَ لَهُ‏.‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَجْبُرُهَا بِأَنْ تَبْتَاعَ لَهُ مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُصْدَقُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتُجَهَّزُ بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلاَفٍ وَتَكُونُ مُفْلِسَةً لاَ تُجَهَّزُ إلَّا بِثِيَابِهَا وَبِسَاطِهَا وَمِمَّا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُفْلِسَ ذَا الْمُرُوءَةِ يَنْكِحُ الْمُوسِرَةَ فَتَقُولُ يَكُونُ قَيِّمًا عَلَى مَالِي عَلَى هَذَا تَنَاكَحَا وَيَسْتَنْفِقُ مِنْ مَالِهَا وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا وَصَفْت وَيَحْسُنُ مِمَّا يَتَعَامَلُ النَّاسُ وَلِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ عَلَى مَا يَجِبُ لَيْسَ عَلَى مَا يَجْمُلُ وَيَتَعَامَلُ النَّاسُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْحُجَّةُ تُمْكِنُ عَلَى مِنْ خَالَفَنَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت، وَفِي أَقَلَّ مِمَّا وَصَفْت حُجَّةٌ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ فِيهَا قَوْلٌ إلَّا مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ مِنْ أَنَّ صَدَاقَهَا مَالٌ مِنْ مَالِهَا، وَأَنَّ لَهَا إذَا بَلَغَتْ الرُّشْدَ أَنْ تَفْعَلَ فِي مَالِهَا مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ‏.‏

باب الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِينَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ الْحَجْرُ عَلَى الْبَالِغِينَ فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِفَرَائِضِهِ الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَجَعَلَ الْإِقْرَارَ لَهُ فَكَانَ مَوْجُودًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ هُوَ، وَأَنَّ إمْلاَءَهُ إقْرَارُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِهِ، وَلاَ يَأْمُرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْ يُمِلَّ لِيُقِرَّ إلَّا الْبَالِغُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَ غَيْرِ الْبَالِغِ وَصَمْتَهُ وَإِنْكَارَهُ سَوَاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا حَفِظْت عَنْهُمْ، وَلاَ أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَرْءِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ‏}‏، وَأَثْبَتَ الْوِلاَيَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ، وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلاَءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لاَ غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ مَقَامَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ قِيلَ وَاَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ فَأَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ إذَا جَمَعُوا بُلُوغًا وَرُشْدًا قَالَ وَإِذَا أَمَرَ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ إذَا جَمَعُوا أَمْرَيْنِ كَانَ فِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَإِذَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ الْحَجْرُ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانُوا لَوْ أُونِسَ مِنْهُمْ رُشْدٌ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ فَكَذَلِكَ لَوْ بَلَغُوا، وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُمْ رُشْدٌ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِمْ الْحَجْرُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهَكَذَا قُلْنَا نَحْنُ وَهُمْ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَكْمُلُ بِأَمْرَيْنِ أَوْ أُمُورٍ فَإِذَا نَقَصَ وَاحِدٌ لَمْ يُقْبَلْ فَزَعَمْنَا أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ‏}‏ عَدْلاَنِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ فَلَوْ كَانَ الرَّجُلاَنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ غَيْرَ حُرَّيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا حَتَّى يَسْتَكْمِلاَنِ الثَّلاَثَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّ التَّنْزِيلَ فِي الْحَجْرِ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُكْتَفًى بِهِ عَنْ تَفْسِيرِهِ وَإِنَّ الْقِيَاسَ لَيَدُلُّ عَلَى الْحَجْرِ أَرَأَيْت إذَا كَانَ مَعْقُولاً أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِمَّنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَعَقَلَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَكَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَشَدَّ تَقْصِيرًا فِي عَقْلِهِ، وَأَكْثَرَ إفْسَادًا لِمَالِهِ أَلاَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ فَدُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ ثُمَّ عُلِمَ مِنْهُ غَيْرُ الرُّشْدِ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ؛ لِأَنَّ انْتَقَلَتْ إلَى الْحَالِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا يُؤْنَسُ مِنْهُ الْعَدْلُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَتَغَيَّرُ فَتُرَدُّ ثُمَّ إنْ تَغَيَّرَ فَأُونِسَ مِنْهُ عَدْلٌ أُجِيزَتْ وَكَذَلِكَ إنْ أُونِسَ مِنْهُ إصْلاَحٌ بَعْدَ إفْسَادٍ أُعْطِيَ مَالُهُ وَالنِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِأَنَّ اسْمَ الْيَتَامَى يَجْمَعُهُمْ وَاسْمَ الِابْتِلاَءِ يَجْمَعُهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ خَرَجَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَا مَوْلَيَيْنِ جَازَ لِلْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا مَا جَازَ لِلرَّجُلِ فِي مَالِهِ ذَاتَ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتٍ زَوْجٍ سُلْطَانُهَا عَلَى مَالِهَا سُلْطَانُ الرَّجُلِ عَلَى مَالِهِ لاَ يَفْتَرِقَانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏}‏ إنَّمَا هُوَ اخْتَبِرُوا الْيَتَامَى قَالَ فَيَخْتَبِرُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ فِيهِمْ وَالرَّجُلُ الْمُلاَزِمُ لِلسُّوقِ وَالْمُخَالِطُ لِلنَّاسِ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لاَ يَغِيبُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ بِمَا مَضَى قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ فَيُعْرَفُ كَيْفَ هُوَ فِي عَقْلِهِ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ‏؟‏ وَكَيْفَ هُوَ فِي دَيْنِهِ‏؟‏ وَالرَّجُلُ الْقَلِيلُ الْمُخَالَطَةِ لِلنَّاسِ يَكُونُ اخْتِبَارُهُ أَبْطَأَ مِنْ اخْتِبَارِ هَذَا الَّذِي وَصَفْت فَإِذَا عَرَفَهُ خَاصَّتُهُ فِي مُدَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَعَدَّلُوهُ وَحَمِدُوا نَظَرَهُ لِنَفْسِهِ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَشَهِدُوا لَهُ أَنَّهُ صَالِحٌ فِي دِينِهِ حَسَنُ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فِي مَالِهِ فَقَدْ صَارَ هَذَانِ إلَى الرُّشْدِ فِي الدِّينِ وَالْمَعَاشِ وَيُؤْمَرُ وَلِيُّهُمَا بِدَفْعِ مَالِهِمَا إلَيْهِمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اخْتَبَرَ النِّسَاءَ أَهْلُ الْعَدْلِ مَنْ أَهْلِهَا وَمِنْ يَعْرِفُ حَالَهَا بِالصَّلاَحِ فِي دِينِهَا وَحُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهَا فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ صَارَتْ فِي حَالِ الرَّجُلَيْنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا أَبْطَأَ مِنْهُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ لِقِلَّةِ خِلْطَتِهَا بِالْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْ الْمُخَالَطَةِ مِنْ النِّسَاءِ الْخَارِجَةِ إلَى الْأَسْوَاقِ الْمُمْتَهِنَةِ لِنَفْسِهَا أَعْجَلُ مِنْهُ مِنْ الصَّائِنَةِ لِنَفْسِهَا كَمَا يَكُونُ مِنْ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَبْعَدَ فَإِذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الرُّشْدَ وَالرُّشْدُ كَمَا وَصَفْت فِي الرَّجُلِ أُمِرَ وَلِيُّهَا بِدَفْعِ مَالِهَا إلَيْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْحُكَّامِ مَنْ أَمَرَ بِاخْتِيَارِ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِحَالِهِ تِلْكَ الثِّقَةُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْقَلِيلَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ أَصْلَحَ فِيهِ دَفَعَ إلَيْهِ مَا بَقِيَ وَإِنْ أَفْسَدَ فِيهِ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْقَلِيلِ أَيْسَرَ مِنْهُ فِي الْكُلِّ وَرَأَيْنَا هَذَا وَجْهًا مِنْ الِاخْتِبَارِ حَسَنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَإِذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ مَالَهَا وَالرَّجُلِ فَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِكْرًا أَوْ مُتَزَوِّجَةً عِنْدَ زَوْجٍ أَوْ ثَيِّبًا كَمَا يَكُونُ الرَّجُلُ سَوَاءٌ فِي حَالاَتِهِ وَهِيَ تَمْلِكُ مِنْ مَالِهَا مَا يَمْلِكُ مِنْ مَالِهِ وَيَجُوزُ لَهَا فِي مَالِهَا مَا يَجُوزُ لَهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ زَوْجٍ لاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا وَفِيهِ وَدَلاَلَةُ السُّنَّةِ‏.‏

وَإِذَا نُكِحَتْ فَصَدَاقُهَا مَالٌ مِنْ مَالِهَا تَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَتْ كَمَا تَصْنَعُ بِمَا سِوَاهُ مِنْ مَالِهَا‏.‏

باب الْخِلاَفِ فِي الْحَجْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْحَجْرِ فَقَالَ لاَ يُحْجَرُ عَلَى حُرٍّ بَالِغٍ، وَلاَ عَلَى حُرَّةٍ بَالِغَةٍ وَإِنْ كَانَا سَفِيهَيْنِ وَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يَذُبُّ عَنْ قَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَسْأَلُك مِنْ أَيْنَ أَخَذْت الْحَجْرَ عَلَى الْحُرَّيْنِ وَهُمَا مَالِكَانِ لِأَمْوَالِهِمَا‏؟‏ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا ذَكَرْت فِي كِتَابِي أَوْ مَعْنَاهُ أَوْ بَعْضَهُ فَقَالَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْك فِيهِ شَيْءٌ فَقُلْت وَمَا هُوَ‏؟‏ قَالَ أَرَأَيْت إذَا أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدَهُ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ لاَ يَجُوزُ عِتْقُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلِمَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ كَمَا لاَ يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ، وَلاَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْتِقَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إتْلاَفٌ لِمَالِهِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ قَالَ أَفَلَيْسَ الطَّلاَقُ وَالْعَتَاقُ لَعِبُهُمَا وَجَدُّهُمَا وَاحِدٌ‏؟‏ قُلْت مِمَّنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ فَقَالَتْ لَعِبْت أَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ فَقَالَ لَعِبْت لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ وَقِيلَ لَهُ لَعِبُك لِنَفْسِك وَعَلَيْهَا قَالَ أَفَيَفْتَرِقُ الْعِتْقُ وَالطَّلاَقُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَك قَالَ وَكَيْفَ وَكِلاَهُمَا إتْلاَفٌ لِلْمَالِ‏؟‏ قُلْت لَهُ إنَّ الطَّلاَقَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إتْلاَفُ الْمَالِ فَإِنَّ الزَّوْجَ مُبَاحٌ لَهُ بِالنِّكَاحِ شَيْءٌ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ لَهُ قَبْلَهُ وَمَجْعُولٌ إلَيْهِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ الْمُبَاحِ لَيْسَ تَحْرِيمُهُ لِمَالٍ يَلِيهِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ تَحْرِيمٌ بِقَوْلٍ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٍ مِنْ فِعْلِهِ وَكَمَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْفَرْجِ دُونَ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى تَحْرِيمِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَمُوتُ فَلاَ تُوَرَّثُ عَنْهُ امْرَأَتُهُ وَيَهَبُهَا وَيَبِيعُهَا فَلاَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ بِهِبَتِهِ، وَلاَ بَيْعِهِ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ عَبْدُهُ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ وَيَلِي نَفْسَهُ فَيَبِيعُهُ وَيَهَبُهُ فَيَمْلِكُهُ غَيْرُهُ فَالْعَبْدُ مَالٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مَالٍ بِحَالٍ إنَّمَا هِيَ مُتْعَةٌ لاَ مَالٌ مَمْلُوكٌ نُنْفِقُهُ عَلَيْهِ وَنَمْنَعُ إتْلاَفَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَالتِّجَارَةِ فَيَكُونُ لَهُ الطَّلاَقُ وَالْإِمْسَاكُ دُونَ سَيِّدِهِ وَيَكُونُ إلَى سَيِّدِهِ أَخْذُ مَالِهِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مِلْكٌ وَالْفَرْجَ بِالنِّكَاحِ مُتْعَةٌ لاَ مِلْكٌ كَالْمَالِ‏.‏

وَقُلْت لَهُ‏:‏ تَأَوَّلْت الْقُرْآنَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَلَمْ تُصِبْ عِنْدَنَا تَأْوِيلَهُ فَأَبْطَلْت فِيهِ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَجَدْت الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى الْحَجْرِ عَلَى بَالِغِينَ فَتَرَكْته وَقُلْت لَهُ أَنْتَ تَقُولُ فِي الْوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ قَوْلاً وَكَانَ فِي الْقُرْآنِ تَنْزِيلٌ يَحْتَمِلُ خِلاَفَ قَوْلِهِ فِي الظَّاهِرِ قُلْنَا بِقَوْلِهِ وَقُلْنَا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ وَجَدْنَا صَاحِبَكُمْ يَرْوِي الْحَجْرَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَالَفَهُمْ وَمَعَهُمْ الْقُرْآنُ قَالَ، وَأَيُّ صَاحِبٍ‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ فِي الْحَدِيثِ أَوْ هُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْعًا فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لاَتِيَنَّ عُثْمَانَ فَلاََحْجُرَنَّ عَلَيْك فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ ابْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ قَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا شَرِيكُك فِي بَيْعِك فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فَقَالَ اُحْجُرْ عَلَى هَذَا فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا شَرِيكُهُ فَقَالَ عُثْمَانُ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرِ فَعَلِيٌّ رضي الله عنه لاَ يَطْلُبُ الْحَجْرَ إلَّا وَهُوَ يَرَاهُ وَالزُّبَيْرُ لَوْ كَانَ الْحَجْرُ بَاطِلاً قَالَ لاَ يُحْجَرُ عَلَى حُرٍّ بَالِغٍ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بَلْ كُلُّهُمْ يَعْرِفُ الْحَجْرَ فِي حَدِيثِ صَاحِبِك‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنَّ صَاحِبَنَا أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ إلَى الْحَجْرِ قُلْت مَا زَادَهُ رُجُوعُهُ إلَيْهِ قُوَّةً، وَلاَ وَهَنَهُ تَرْكُهُ إيَّاهُ إنْ تَرَكَهُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ مَذْهَبُهُ فِيهِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ وَمَا أَنْكَرْت‏؟‏ قُلْت‏:‏ زَعَمْت أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا وَلِيَ مَالَهُ بِرُشْدٍ يُؤْنَسُ مِنْهُ فَاشْتَرَى وَبَاعَ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ رُشْدٍ أَحْدَثَ عَلَيْهِ الْحَجْرَ وَكَذَلِكَ قُلْنَا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ عَلَيْهِ الْحَجْرَ أَبْطَلَ كُلَّ بَيْعٍ بَاعَهُ قَبْلَهُ وَشِرَاءٍ أَفَرَأَيْت الشَّاهِدَ يَعْدِلُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُهُ أَيَنْقُضُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ أَوْ يَنْفُذُ وَيَكُونُ مُتَغَيِّرًا مِنْ يَوْمِ تَغَيَّرَ‏؟‏ قَالَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَأَنْكَرْنَاهُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ فَهَلْ خَالَفَ شَيْئًا مِمَّا تَقُولُ فِي الْحَجْرِ وَالْيَتَامَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِك‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَمَّا أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِي فَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خِلاَفًا لِشَيْءٍ مِمَّا قُلْت، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِهِمْ مِثْلُ مَا قُلْت‏.‏ قَالَ‏:‏ فَهَلْ أَدْرَكْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِك يَقُولُ بِخِلاَفِ قَوْلِك هَذَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ قَدْ رُوِيَ لِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ نَاحِيَتِنَا أَنَّهُ خَالَفَ مَا قُلْت وَقُلْت وَقَالَ غَيْرُنَا فِي مَالِ الْمَرْأَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلاً قَالَ فَقَالَ فِيهِ مَاذَا‏؟‏ قُلْت مَا لاَ يَضُرُّك أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ ثُمَّ حَكَيْت لَهُ شَيْئًا كُنْت أَحْفَظُهُ وَكَانَ يَحْفَظُهُ فَقَالَ مَا يَشْكُلُ الْخَطَأُ فِي هَذَا عَلَى سَامِعٍ يَعْقِلُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَزَعَمَ لِي زَاعِمٌ عَنْ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ رَجُلاً بِمِائَةِ دِينَارٍ جُبِرَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ نُكِحَتْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رُجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاسِمَهَا نَوْرَةً وَزَرْنِيخًا وَنُضُوحًا‏.‏ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ‏؟‏ قِيلَ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ مَا هُوَ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏ وَمَا فَرَضَ وَدَفَعَ مِائَةَ دِينَارٍ فَزَعَمَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِنِصْفِ مَتَاعٍ لَيْسَ فِيهِ دَنَانِيرُ وَهَذَا خِلاَفُ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ إنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّا نَرَى أَنَّ وَاجِبًا عَلَيْهَا‏.‏ قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ يَعْنِي أَنَّ وَاجِبًا عَلَيْهَا أَنْ تُجَهِّزَ بِمَا أَعْطَاهَا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ مَا تَجَهَّزَتْ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيُّ لاَ يَرْجِعُ إلَّا بِنِصْفِ مَا أَعْطَاهَا دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لاَ يُوجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُجَهِّزَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏‏.‏

الصُّلْحُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ‏:‏ قَالَ أَمْلَى عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ‏:‏ أَصْلُ الصُّلْحِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ وَمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ فِي الصُّلْحِ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ وَيَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى مَا يَكُونُ لَهُ ثَمَنٌ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ، وَكُلُّ هَذَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَثْمَانِ، وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدِي إلَّا عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ كَمَا لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً‏.‏

وَمِنْ الْحَرَامِ الَّذِي يَقَعُ فِي الصُّلْحِ أَنْ يَقَعَ عِنْدِي عَلَى الْمَجْهُولِ الَّذِي لَوْ كَانَ بَيْعًا كَانَ حَرَامًا وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَوَرِثَتْهُ امْرَأَةٌ أَوْ وَلَدٌ أَوْ كَلاَلَةٌ فَصَالَحَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَعْضًا فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَعْرِفَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمُصَالَحِ بِحُقُوقِهِمْ أَوْ إقْرَارٍ بِمَعْرِفَتِهِمْ بِحُقُوقِهِمْ، وَتَقَابَضَ الْمُتَصَالِحَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا بِمَبْلَغِ حَقِّهِمَا أَوْ حَقِّ الْمُصَالِحِ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ امْرِئٍ لاَ يَعْرِفُهُ وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّعْوَى فِي الْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ جِنَايَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِمَا يَجُوزُ بِهِ الْبَيْعُ كَانَ الصُّلْحُ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمَا وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَالْمُعْطِي بِمَا أَعْطَى، وَسَوَاءٌ إذَا أَفْسَدْت الصُّلْحَ قَالَ الْمُدَّعِي قَدْ أَبْرَأْتُك مِمَّا ادَّعَيْتُ عَلَيْك أَوْ لَمْ يَقُلْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْفَسَادَ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ كَمَا كَانَا قَبْلَ أَنْ يَتَبَايَعَا‏.‏

فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلاَنِ الصُّلْحَ وَكَرِهَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ مَالٍ ثُمَّ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ عَنْهُ صُلْحًا فَيَكُونُ صَحِيحًا، وَلَيْسَ لِلَّذِي أَعْطَى عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُصَالِحِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلاَ لِلْمُصَالَحِ الْمُدَّعِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ الْعِوَضَ مِنْ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَعْقِدَا صُلْحَهُمَا عَلَى فَسَادٍ فَيَكُونُونَ كَمَا كَانُوا فِي أَوَّلِ مَا تَدَاعَوْا قَبْلَ الصُّلْحِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فِي دَارٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِدَعْوَاهُ وَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ بَزٍّ مَوْصُوفٍ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَوْصُوفَةٍ أَوْ طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا كَمَا يَجُوزُ لَوْ بِيعَ ذَلِكَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ بِذَلِكَ بَيْتًا مَعْرُوفًا مِنْ الدَّارِ مِلْكًا لَهُ أَوْ سُكْنَى لَهُ عَدَدَ سِنِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ لَوْ اقْتَسَمَاهُ أَوْ تَكَارَى شِقْصًا لَهُ فِي دَارٍ، وَلَكِنَّهُ لَوْ قَالَ أُصَالِحُك عَلَى سُكْنَى هَذَا الْمَسْكَنِ، وَلَمْ يُسَمِّ وَقْتًا كَانَ الصُّلْحُ فَاسِدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا لاَ يَجُوزُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَهُ حَتَّى يَكُونَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُكْرِيَهُ هَذِهِ الْأَرْضَ سِنِينَ يَزْرَعُهَا أَوْ عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ أُخْرَى سَمَّى ذَلِكَ وَعَرَفَ جَازَ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ وَإِذَا لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ وَالْكِرَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَشْرَعَ ظُلَّةً أَوْ جَنَاحًا عَلَى طَرِيقٍ نَافِذَةٍ فَخَاصَمَهُ رَجُلٌ؛ لِيَمْنَعَهُ مِنْهُ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ عَلَى أَنْ يَدَعَهُ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلاً؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ عَلَى مَا لاَ يَمْلِكُ وَنُظِرَ فَإِنْ كَانَ إشْرَاعُهُ غَيْرَ مُضِرٍّ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا مَنَعَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ إشْرَاعَهُ عَلَى طَرِيقٍ لِرَجُلٍ خَاصَّةً لَيْسَ بِنَافِذٍ أَوْ لِقَوْمٍ فَصَالَحَهُ أَوْ صَالَحُوهُ عَلَى شَيْءٍ أَخَذُوهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَدَعُوهُ يَشْرَعُهُ كَانَ الصُّلْحُ فِي هَذَا بَاطِلاً مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَشْرَعَ فِي جِدَارِ نَفْسِهِ وَعَلَى هَوَاءٍ لاَ يَمْلِكُ مَا تَحْتَهُ، وَلاَ مَا فَوْقَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُثَبِّتَ خَشَبَةً وَيَصِحُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ الشَّرْطُ؛ فَلْيَجْعَلْ ذَلِكَ فِي خَشَبٍ يَحْمِلُهُ عَلَى جُدْرَانِهِمْ وَجِدَارِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شِرَاءَ مَحْمَلِ الْخَشَبِ، وَيَكُونُ الْخَشَبُ بِأَعْيَانِهِ مَوْصُوفًا أَوْ مَوْصُوفَ الْمَوْضِعِ أَوْ يُعْطِيهِمْ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُقِرُّوا لَهُ بِخَشَبٍ يَشْرَعُهُ وَيُشْهِدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا لَهُ بِمَحْمَلِ هَذَا الْخَشَبِ وَمَبْلَغِ شُرُوعِهِ بِحَقٍّ عَرَفُوهُ لَهُ فَلاَ يَكُونُ لَهُمْ بَعْدَهُ أَنْ يَنْزِعُوهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فَأَقَرَّ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ أَوْ زِرَاعَةِ أَرْضٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ الْإِجَارَاتُ ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلِوَرَثَةِ الْمُدَّعِي السُّكْنَى وَالرُّكُوبُ وَالزِّرَاعَةُ وَالْخِدْمَةُ وَمَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ الْمُصَالِحُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَلِفَ الدَّابَّةَ الَّتِي صَالَحَ عَلَى رُكُوبِهَا أَوْ الْمَسْكَنَ الَّذِي صَالَحَ عَلَى سَكْنِهِ أَوْ الْأَرْضَ الَّتِي صُولِحَ عَلَى زِرَاعَتِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْمُصَالِحُ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ فِي الدَّارِ وَقَدْ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَّ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا أَخَذَ إنْ كَانَ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا وَانْتَقَضَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ يَرْجِعُ بِهِ فِي أَصْلِ السَّكَنِ الَّذِي صُولِحَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أَوْ دَارٍ بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ انْتَقَضَ الصُّلْحُ، وَرَجَعَ عَلَى أَصْلِ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ بِصِفَةٍ أَوْ غَيْرِ صِفَةٍ أَوْ ثَوْبٍ بِصِفَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ بِصِفَةٍ تَمَّ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ الصِّفَةِ الَّتِي صَالَحَهُ عَلَيْهَا‏.‏

وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى رُبُعِ أَرْضٍ مَشَاعٍ مِنْ دَارٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ‏.‏

وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَذْرُعٍ مِنْ دَارٍ مُسَمَّاةٍ وَهُوَ يَعْرِفُ أَذْرُعَ الدَّارِ وَيَعْرِفُهُ الْمُصَالَحُ جَازَ وَهَذَا كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ وَإِنْ كَانَ صَالَحَهُ عَلَى أَذْرُعٍ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ الذَّرْعَ كُلَّهُ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي كَمْ قَدْرُ الذَّرْعِ فِيهَا ثُلُثًا أَوْ رُبُعًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ‏.‏

وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ جُزَافٍ أَوْ دَرَاهِمَ جُزَافٍ أَوْ عَبْدٍ فَجَائِزٌ فَإِنْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَ الصُّلْحُ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ‏.‏

وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَرُدَّ الْعَبْدَ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ جَازَ الصُّلْحُ وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُ رَدَّ الصُّلْحَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ بَعْدُ لاَ يَجُوزُ شِرَاءُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَلاَ غَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ وَيَكُونُ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ لاَ يَعْدُو بَيْعَ عَيْنٍ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ عِنْدَ تَبَايُعِهِمَا وَبَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونٌ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ يَكُونُ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَهَذَا الْعَبْدُ الَّذِي بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ إنْ تَلِفَ بَطَلَ الْبَيْعُ فَهَذَا مَرَّةً يَتِمُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَمَرَّةً يَبْطُلُ فِيهِ الْبَيْعُ، وَالْبَيْعُ لاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتِمَّ فِي كُلِّ حَالٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا كُلُّ مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِمَّا كَانَ غَائِبًا فَلَهُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ‏.‏ قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ خِيَارِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ قَبَضَهُ فَهَلَكَ فِي يَدَيْهِ وَبِهِ عَيْبٌ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ عَيْبًا، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهُ أَوْ سَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ مِنْهُ كَانَ لِقَابِضِ الْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يُجِيزَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ وَيَرْجِعَ بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ مِنْهُ أَوْ يُنْقَضُ الصُّلْحُ كُلُّهُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الشَّيْءُ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَبَطَلَ كُلُّهُ وَالصُّلْحُ مِثْلُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا فِي دَارٍ فَأَقَرَّ لَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أَوْ اسْتَحَقَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ وَرَجَعَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الدَّارِ وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ، وَلَوْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ صَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ بِصِفَةٍ أَوْ عَبْدٍ بِصِفَةٍ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ الْعَرَضِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا فَهِيَ مِثْلُ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ يُعْطِيهِ إيَّاهَا وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ وَجَدَ عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ تِبَاعَةٌ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَصْلِ دَعْوَاهُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا كَانَ صَالَحَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَطَوَّعَ بِمَا أَعْطَى عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ قَالَ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فِي دَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى بَيْتٍ مَعْرُوفٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَسْكُنُهُ كَانَ جَائِزًا أَوْ عَلَى سَطْحٍ مَعْرُوفٍ يَبِيتُ عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا فَإِنْ انْهَدَمَ الْبَيْتُ أَوْ السَّطْحُ قَبْلَ السُّكْنَى رَجَعَ عَلَى أَصْلِ حَقِّهِ وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ السُّكْنَى تَمَّ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ وَبَاتَ وَانْتَقَضَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا فِي دَارٍ وَهِيَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ كِرَاءً تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلاَ خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ الدَّارُ فِي يَدَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَرَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ فِيهَا بَيِّنَةً، وَأَمَرَهُ إنْ خَافَ عَلَى بَيِّنَتِهِ الْمَوْتَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ أَقَرَّ لَهُ بِدَعْوَاهُ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دَعْوَاهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ يُصَالِحُ عَنْ الدَّعْوَى‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا لَمْ يُسَمِّهِ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَوْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُقِرَّ فَإِذَا أَقَرَّ جَازَ‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ فِي دَعْوَاهُ الَّتِي أَجْمَلَهَا فَقَالَ‏:‏ أَنْتَ صَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْت عَلَيَّ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ جَائِزًا كَمَا يَجُوزُ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى شِرَاءٍ لاَ يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الشِّرَاءَ فَقَالَ‏:‏ هَذَا مَا اشْتَرَيْت مِنْك مِمَّا عَرَفْت وَعَرَفْت فَلاَ تِبَاعَةَ لِي قِبَلَك بَعْدَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِمَّا اشْتَرَيْت مِنْك‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ فَتَدَاعَيَا كُلَّهَا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ أَوْ بَيْتًا مِنْ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ هَذَا بَعْدَ إقْرَارِهِمَا فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْجَحْدِ فَلاَ يَجُوزُ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ دَعْوَاهُمَا‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَعْوَى فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ بَعْدَمَا أَقَرَّ لَهُ بِدَعْوَاهُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَصَالِحُ لِلَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ‏:‏ صَالَحْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ‏.‏ وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ بَلْ صَالَحْتُك مِنْ ثَوْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ خَصْمًا لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ‏.‏

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ‏:‏ أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصُّلْحِ تَحَالَفَا وَكَانَا عَلَى أَصْلِ خُصُومَتِهِمَا مِثْلِ الْبَيْعِ سَوَاءً إذَا اخْتَلَفَا تَحَالَفَا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بَعْدَ الْأَيْمَانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهَا دَعْوَى وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ فَأَقَرَّ لَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَضْمُونَةٍ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَهَذَا الْوَارِثُ الْمُصَالِحُ مُتَطَوِّعٌ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ إذَا كَانُوا مُنْكِرِينَ لِدَعْوَاهُ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنَّ حَقَّهُ لَهُ دُونَ إخْوَتِهِ فَإِنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ حَقَّهُ دُونَ إخْوَتِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ إخْوَتُهُ كَانَ لَهُمْ خَصْمًا فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ وَكَانَتْ لَهُمْ الشُّفْعَةُ مَعَهُ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَكَانَ لِلْآخَرِ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ نَصِيبُهُ مِنْ حَقِّهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ وَرِثَاهَا فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهَا حَقًّا فَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا، وَأَقَرَّ الْآخَرُ وَصَالَحَهُ عَلَى حَقِّهِ مِنْهَا خَاصَّةً دُونَ حَقِّ أَخِيهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ أَرَادَ أَخُوهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالاَ هِيَ مِيرَاثٌ لَنَا عَنْ أَبِينَا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا نَسَبَا ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ وَجَحَدَ الْآخَرَ كَانَ النِّصْفُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لَهُ دُونَ الْمَجْحُودِ وَكَانَ الْمَجْحُودُ عَلَى خُصُومَتِهِ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا كَانَ يَدَّعِي نِصْفَهَا فَإِنْ كَانَ لَمْ يُقِرَّ لِلْآخَرِ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَلَهُ الْكُلُّ لاَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ لَهُ النِّصْفَ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلاَنِ عَلَى رَجُلٍ دَارًا مِيرَاثًا فَأَقَرَّ لَهُمَا بِذَلِكَ وَصَالَحَ أَحَدَهُمَا مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ فَلَيْسَ لِأَخِيهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا وَصَالَحَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ إنْ شَاءَ أَتَمَّهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُتِمَّهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُقِرَّ لَهُ الْأَعْلَى أَنْ يَسْكُنَهَا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَهُمَا عَلَى أَصْلِ خُصُومَتِهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَاهَا فَأَقَرَّ لَهُ بَانِي الْمَسْجِدِ بِمَا ادَّعَى فَإِنْ كَانَ فَضَلَ مِنْ الدَّارِ فَضْلٌ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِالْمَسْجِدِ فَهُوَ لَهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا هَدَمَ مِنْ دَارِهِ‏.‏

وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صُلْحٍ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الَّذِينَ الْمَسْجِدُ وَالدَّارُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَصَالَحُوهُ كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا‏.‏

وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى فِيهَا رَجُلٌ شَيْئًا فَأَقَرَّ الْبَائِعُ لَهُ وَصَالَحَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَبَاعَهَا أَوْ لَمْ يَبِعْهَا وَادَّعَى فِيهَا رَجُلٌ آخَرُ دَعْوَى فَصَالَحَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ‏.‏

وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا ثُمَّ جَحَدَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَلاَ يَضُرُّهُ الْجَحْدُ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لَهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ إذَا تَصَادَقَا أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُصَالِحُ الْآخِذُ لِثَمَنِ الدَّارِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ لَهُ بِالدَّارِ، وَقَالَ‏:‏ إنَّمَا صَالَحْته عَلَى الْجَحْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ وَهُمَا عَلَى خُصُومَتِهِمَا‏.‏

وَلَوْ صَالَحَ رَجُلٌ مِنْ دَعْوَى أَقَرَّ لَهُ بِهَا عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً فَقُتِلَ خَطَأً اُنْتُقِضَ الصُّلْحُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُصَالِحِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا غَيْرَهُ يَخْدُمُهُ، وَلاَ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا غَيْرَهُ يَخْدُمُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ سُكْنَى بَيْتٍ فَهَدَمَهُ إنْسَانٌ أَوْ انْهَدَمَ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً فَبَاعَهُ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَكُونَ لِهَذَا الْمِلْكِ وَلِهَذِهِ الْخِدْمَةِ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ رَدَّهُ وَبِهِ نَأْخُذُ‏.‏

وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ‏:‏ أَنَّ الْبَيْعَ مُنْتَقَضٌ؛ لِأَنَّهُ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ كَانَ الْعِتْقُ جَائِزًا وَكَانَتْ الْخِدْمَةُ عَلَيْهِ إلَى مُنْتَهَى السَّنَةِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ عِنْدَنَا لاَ نَنْقُضُهُ مَا دَامَ الْمُسْتَأْجِرُ سَالِمًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ أَنْ يُخْدِمَهُ غَيْرَهُ وَيُؤَاجِرَهُ غَيْرَهُ فِي مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْمِصْرِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ فِي دَارٍ دَعْوَى فَأَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَالْعَبْدُ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُصَالِحُ الْعَبْدَ حَتَّى جَنَى عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلِلْمُصَالِحِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ ثُمَّ يَفْدِيَهُ أَوْ يُسَلِّمَهُ فَيُبَاعَ أَوْ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَيَنْقُضَ الصُّلْحَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ الْمِائَةِ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَهُ ثُمَّ جَنَى فِي يَدَيْهِ كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا وَكَانَ كَعَبْدٍ اشْتَرَاهُ ثُمَّ جَنَى فِي يَدَيْهِ قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَحْبِسَ الْمِائَةَ؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا مَعًا، وَلاَ يُجِيزَهَا إلَّا مَعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ اسْتَحَقَّ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ بِنِصْفِ الصُّلْحِ وَيَرُدَّ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَيْسَ لِلْبَائِعِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهُ، وَلَهُ فِي الْعَيْبِ إمْسَاكُهُ إنْ شَاءَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ أَصْلُ قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمُصَالَحِ بِهِ أَوْ الْبَيْعَ بِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْبَيْعُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْعَيْبِ فِي الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ بِأَعْيَانِهَا كَانَ كَهُوَ فِي الْعَبْدِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ رَجَعَ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ بِعَبْدٍ وَزَادَهُ الْآخِذُ لِلْعَبْدِ ثَوْبًا فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ، وَكَانَ عَلَى دَعْوَاهُ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ الَّذِي زَادَهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا أَوْ قِيمَتَهُ إنْ وُجِدَ مُسْتَهْلَكًا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَتَقَابَضَا وَجُرِحَ الْعَبْدُ جُرْحًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الصُّلْحَ وَهَذَا مِثْلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ جُرِحَ عِنْدَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فِي الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَوَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ أَوْ يَرُدَّهُ وَيُنْتَقَضُ الصُّلْحُ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ انْتَقَضَ الصُّلْحُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مَا مَعَ الْعَبْدِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ إذَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَطَلَ الصُّلْحُ فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَبْدًا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَزَادَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ خَرَجَ الْعَبْدُ الَّذِي قُبِضَ أَيَّهُمَا كَانَ حُرًّا بَطَلَ الصُّلْحُ وَكَانَ كَرَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا فَخَرَجَ حُرًّا، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الَّذِي اسْتَحَقَّ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيلَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ‏:‏ لَك نَقْضُ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِتَرْكِ نَقْضِهِ وَقَبُولِ مَا صَارَ فِي يَدَيْك مَعَ الْعَبْدِ فَلاَ تُكْرَهُ عَلَى نَقْضِهِ وَهَكَذَا جَمِيعُ مَا اسْتَحَقَّ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا سَلَمًا فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ الْمُسَلَّمُ فِي الشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ إلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ بَطَلَ السَّلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَبْدَيْنِ بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْخِيَارُ فِي نَقْضِ السَّلَمِ وَرَدِّ الْعَبْدِ الْبَاقِي فِي يَدَيْهِ أَوْ إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْبَيْعِ الَّذِي فِي الْعَبْدِ نِصْفُهُ إلَى أَجَلِهِ‏.‏ قَالَ الرَّبِيعُ يَبْطُلُ هَذَا كُلُّهُ وَيَنْفَسِخُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ عَلَى حِدَةٍ فَتَدَاعَيَا الْعَرْصَةَ فَالْعَرْصَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَإِنْ أَحَبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَلَفْنَا لَهُ صَاحِبَهُ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِذَا حَلَفَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفَا وَاصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ بِحَقِّهِ جَازَ الصُّلْحُ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ مَنْزِلاً أَوْ مَنَازِلَ، السُّفْلُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يَدَّعِيهِ وَالْعُلُوُّ فِي يَدِ الْآخَرِ يَدَّعِيهِ فَتَدَاعَيَا عَرْصَةَ الدَّارِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا وَصَفْت‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْجِدَارُ بَيْنَ دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ وَالْأُخْرَى لِآخَرَ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ بِبِنَاءِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ إنَّمَا هُوَ مُلْصَقٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَدَاعَيَاهُ، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا تَحَالَفَا وَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلاَ أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ إلَيْهِ الْخَوَارِجُ، وَلاَ الدَّوَاخِلُ، وَلاَ أَنْصَافُ اللَّبِنِ، وَلاَ مَعَاقِدِ الْقِمْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دَلاَلَةٌ‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا جُذُوعٌ، وَلاَ شَيْءَ لِلْآخَرِ فِيهَا عَلَيْهِ أَحَلَفْتُهُمَا، وَأَقْرَرْتُ الْجُذُوعَ بِحَالِهَا وَجَعَلْت الْجِدَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَرْتَفِقُ بِجِدَارِ الرَّجُلِ بِالْجُذُوعِ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَائِطُ مُتَّصِلاً بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ الَّذِي لاَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ إلَّا مِنْ أَوَّلِ الْبُنْيَانِ وَمُنْقَطِعًا مِنْ بِنَاءِ الْآخَرِ جَعَلْته لِلَّذِي هُوَ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ دُونَ الَّذِي هُوَ مُنْقَطِعٌ مِنْ بِنَائِهِ، وَلَوْ كَانَ مُتَّصِلاً اتِّصَالاً يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْجِدَارِ يَخْرُجُ مِنْهُ لَبِنَةٌ وَيَدْخُلُ أُخْرَى أَطْوَلُ مِنْهَا أَحَلَفْتُهُمَا وَجَعَلْتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ تَدَاعَيَا فِي هَذَا الْجِدَارِ ثُمَّ اصْطَلَحَا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ بِتَصَادُقٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَاهُمَا أَجَزْت الصُّلْحَ وَإِذَا قَضَيْت بِالْجِدَارِ بَيْنَهُمَا لَمْ أَجْعَلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ كُوَّةً، وَلاَ يَبْنِي عَلَيْهِ بِنَاءً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَدَعَوْتهمَا إلَى أَنْ نَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَا فَإِنْ كَانَ عَرْضُهُ ذِرَاعًا أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِبْرًا فِي طُولِ الْجِدَارِ ثُمَّ قُلْت لَهُ إنْ شِئْت أَنْ تَزِيدَهُ مِنْ عَرْضِ دَارِك أَوْ بَيْتِك شِبْرًا آخَرَ؛ لِيَكُونَ لَك جِدَارًا خَالِصًا فَذَلِكَ لَك وَإِنْ شِئْت أَنْ تُقِرَّهُ بِحَالِهِ، وَلاَ تُقَاسِمَ مِنْهُ فَاقْرُرْهُ وَإِذَا كَانَ الْجِدَارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَهَدَمَاهُ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخِرِ ثُلُثَاهُ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا شَاءَ عَلَيْهِ إذَا بَنَاهُ فَالصُّلْحُ فِيهِ بَاطِلٌ، وَإِنْ شَاءَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا أَرْضُهُ وَكَذَلِكَ إنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ شَاءَا تَرَكَاهُ فَإِذَا بَنَيَاهُ لَمْ يَجُزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا، وَلاَ كُوَّةً إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ الْبَيْتُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا سَطْحُهُ، وَلاَ بِنَاءَ عَلَيْهِ وَالسُّفْلُ لِلْآخَرِ فَأَصْلُ مَا أَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الصُّلْحِ أَنْ لاَ يَجُوزَ إلَّا عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنْ تَقَارَّا أَجَزْت هَذَا بَيْنَهُمَا وَجَعَلْت لِهَذَا عُلُوَّهُ وَلِهَذَا سُفْلَهُ، وَأَجَزْت فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْآخَرُ مَا شَاءَ إذَا أَقَرَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ، وَلاَ تُجِيزُهُ إذَا بَنَى وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ عُلُوٌّ لَمْ أُجِزْهُ إلَّا عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ عُلُوَّ بَيْتٍ لاَ بِنَاءَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جِدَارِهِ وَيَسْكُنَ عَلَى سَطْحِهِ وَسَمَّى مُنْتَهَى الْبِنَاءِ أَجَزْت ذَلِكَ كَمَا أُجِيزُ أَنْ يَبِيعَ أَرْضًا لاَ بِنَاءَ فِيهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي خَصْلَةِ‏:‏ أَنَّ مَنْ بَاعَ دَارًا لاَ بِنَاءَ فِيهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ مَا شَاءَ وَمَنْ بَاعَ سَطْحًا بِأَرْضِهِ أَوْ أَرْضًا وَرُءُوسَ جُدْرَانٍ احْتَجْت إلَى أَنْ أَعْلَمَ كَمْ مَبْلَغُ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبِنَاءِ مَا لاَ تَحْمِلُهُ الْجُدْرَانُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فِي سُفْلِهَا دَرَجٌ إلَى عُلُوِّهَا فَتَدَاعَى صَاحِبَا السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ الدَّرَجَ وَالدَّرَجُ بِطَرِيقِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ دُونَ صَاحِبِ السُّفْلِ بَعْدَ الْأَيْمَانِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَجُ مَعْقُودَةً أَوْ غَيْرَ مَعْقُودَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّرَجَ إنَّمَا تُتَّخَذُ مَمَرًّا وَإِنْ ارْتَفَقَ بِمَا تَحْتَهَا، وَلَوْ كَانَ النَّاسُ يَتَّخِذُونَ الدَّرَجَ لِلْمُرْتَفَقِ وَيَجْعَلُونَ ظُهُورَهَا مُدَرَّجَةً لاَ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ جَعَلْت الدَّرَجَ بَيْنَ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَنْفَعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِيَدِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْأُخْرَى بِيَدِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ بَعْدَمَا أُحْلِّفُهُمَا‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْبَيْتُ السُّفْلُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدِ آخَرَ فَتَدَاعَيَا سَقْفَهُ فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ سَقْفٌ لِلسُّفْلِ مَانِعٌ لَهُ وَسَطْحٌ لِلْعُلْوِ أَرْضُهُ لَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَنْ لاَ تَكُونَ بَيِّنَةٌ وَبَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا عَلَيْهِ وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُنْقَضَ الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ لِعِلَّةٍ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَذَلِكَ لَهُمَا وَيُعِيدَانِ مَعًا الْبِنَاءَ كَمَا كَانَ وَيُؤْخَذُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ إذَا كَانَ هَدَمَهُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَهُ أَوْ هَدَمَهُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ وَإِنْ سَقَطَ الْبَيْتُ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى الْبِنَاءِ وَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِأَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ كَمَا كَانَ وَيَبْنِيَ عُلُوَّهُ كَمَا كَانَ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ سَكْنِهِ وَنَقْضُ الْجُدْرَانِ لَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَهْدِمَهَا وَمَتَى جَاءَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَيَصِيرُ الْبِنَاءُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الَّذِي بَنَى أَنْ يَهْدِمَ بِنَاءَهُ فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَصْلَحُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ‏.‏

وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ امْتَنَعَ مِنْ بِنَائِهِ وَبَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَجَائِزٌ كَهُوَ بِقَضَاءِ قَاضٍ وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ نَخْلَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَاسْتَعْلَتْ حَتَّى انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا عَلَى دَارِ رَجُلٍ فَعَلَى صَاحِبِ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ قَطْعُ مَا شَرَعَ فِي دَارِ الرَّجُلِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الدَّارِ تَرْكَهُ فَإِنْ شَاءَ تَرْكَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَهُ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ كِرَاءً أَوْ شِرَاءً فَإِنَّمَا هُوَ كِرَاءُ هَوَاءٍ لاَ أَرْضَ لَهُ، وَلاَ قَرَارَ، وَلاَ بَأْسَ بِتَرْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَإِذَا تَدَاعَى رَجُلاَنِ فِي عَيْنَيْنِ أَوْ بِئْرَيْنِ أَوْ نَهْرَيْنِ أَوْ غِيلَيْنِ دَعْوَى فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ أَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَنْ دَعْوَاهُ فِي إحْدَى الْعَيْنَيْنِ أَوْ الْبِئْرَيْنِ أَوْ النَّهْرَيْنِ أَوْ مَا سَمَّيْنَا عَلَى أَنَّ لِهَذَا هَذِهِ الْعَيْنَ تَامَّةً وَلِهَذَا هَذِهِ الْعَيْنَ تَامَّةً فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إقْرَارٍ مِنْهُمَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ شِرَاءُ بَعْضِ عَيْنٍ بِشِرَاءِ بَعْضِ عَيْنٍ وَإِذَا كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ قَوْمٍ فَاصْطَلَحُوا عَلَى إصْلاَحِهِ بِبِنَاءٍ أَوْ كَبْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ سَوَاءً فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ دَعَا بَعْضُهُمْ إلَى عَمَلِهِ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعَمَلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَمْ يُجْبَرْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَيُقَالُ لِهَؤُلاَءِ‏:‏ إنْ شِئْتُمْ فَتَطَوَّعُوا بِالْعِمَارَةِ وَيَأْخُذُ هَذَا مَاءَهُ مَعَكُمْ وَمَتَى شِئْتُمْ أَنْ تَهْدِمُوا الْعِمَارَةَ هَدَمْتُمُوهَا، وَأَنْتُمْ مَالِكُونَ لِلْعِمَارَةِ دُونَهُ حَتَّى يُعْطِيَكُمْ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْعِمَارَةِ وَيَمْلِكُهَا مَعَكُمْ، وَهَكَذَا الْعَيْنُ وَالْبِئْرُ، وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عُودَ خَشَبَةٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي جِدَارِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ الرَّجُلُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ جَازَ إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ زَرْعًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ زَرْعَهُ أَخْضَرَ مِمَّنْ يَقْصِلُهُ، وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ لِرَجُلَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهِ دَعْوَى فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ، وَلاَ يُجِيزُ هَذَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَرْضَى وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَعْوَى فِي دَارٍ فَصُولِحَ مِنْهَا عَلَى دَارٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَمَا يَكُونُ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ أَقَرَّ أَنْ قَدْ رَآهُ قَبْلَ الصُّلْحِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ الَّتِي رَآهُ عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَإِنْ تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ، وَلَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ، وَلَوْ قَبَضَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ جَازَ الصُّلْحُ فِيمَا قَبَضَ وَانْتَقَضَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ إذَا رَضِيَ ذَلِكَ الْمُصَالِحُ الْآخِذُ مِنْهُ الدَّنَانِيرَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ مِنْ دَنَانِيرَ عَلَى دَرَاهِمَ يَأْخُذُهَا فَكَانَ هَذَا مِثْلَ الصَّرْفِ لَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ انْتَقَضَ الصَّرْفُ كُلُّهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ شِقْصًا فِي دَارٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ثِيَابٍ بِأَعْيَانِهَا أَوْ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا صَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَالصُّلْحُ بَيْعٌ مَا جَازَ فِيهِ جَازَ فِي الْبَيْعِ وَمَا رُدَّ فِيهِ رُدَّ فِي الْبَيْعِ، وَسَوَاءٌ مَوْصُوفٌ أَوْ بِعَيْنِهِ لاَ يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهَكَذَا كُلُّ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ عَيْنٍ مَوْصُوفٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إذَا اُبْتِيعَ حَتَّى يُقْبَضَ، وَكُلُّ شَيْءٍ اُبْتِيعَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ فَلاَ يَبِيعُ مَا ضَمَانُهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ‏.‏

وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَعْوَى فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا فَصَالَحَهُ عَلَى عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَمَاتَ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُصَالِحُ بِالْخِيَارِ فِي رَدِّ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الدَّارِ أَوْ إجَازَةِ الصُّلْحِ بِحِصَّةِ الْعَبْدِ الْمَقْبُوضِ وَيَكُونُ لَهُ نَصِيبُهُ مِنْ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عَبْدٍ فَمَاتَ بَطَلَ الصُّلْحُ وَكَانَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الدَّارِ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ رَجُلاً جَنَى عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الصُّلْحَ وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ أَوْ يَرُدَّ الصُّلْحَ وَيَتْبَعَهُ رَبُّ الْعَبْدِ الْبَائِعُ لَهُ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ‏.‏

وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً فَقُتِلَ الْعَبْدُ فَأَخَذَ مَالِكُهُ قِيمَتَهُ فَلاَ يُجْبَرُ الْمُصَالَحُ وَلاَ رَبُّ الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ عَبْدًا مَكَانَهُ فَإِنْ كَانَ اسْتَخْدَمَهُ شَيْئًا جَازَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا اسْتَخْدَمَهُ وَبَطَلَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا بَطَلَ مِنْ الْخِدْمَةِ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّهُ جُرِحَ جُرْحًا فَاخْتَارَ سَيِّدُهُ أَنْ يَدَعَهُ يُبَاعُ كَانَ كَالْمَوْتِ وَالِاسْتِحْقَاقِ‏.‏

وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ فَصَالَحَهُ الْمُقِرُّ عَلَى مَسِيلِ مَاءٍ فَإِنْ سَمَّى لَهُ عَرْضَ الْأَرْضِ الَّتِي يَسِيلُ عَلَيْهَا الْمَاءُ وَطُولَهَا وَمُنْتَهَاهَا فَجَائِزٌ إذَا كَانَ يَمْلِكُ الْأَرْضَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ يَسِيلُ الْمَاءُ فِي كَذَا وَكَذَا لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ كَمَا لاَ يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إلَّا مَسِيلاً لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضًا لَهُ مِنْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَجُزْ، وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ لَوْ صَالَحَهُ بِثُلُثِ الْعَيْنِ أَوْ رُبُعِهَا وَكَانَ يَمْلِكُ تِلْكَ الْعَيْنِ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ مَاشِيَةً لَهُ شَهْرًا مِنْ مَائِهِ لَمْ يَجُزْ‏.‏

وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِنْهَا أَقَلُّ مِمَّا لِلْآخَرِ فَدَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْكَثِيرِ إلَى الْقَسْمِ وَكَرِهَهُ صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَبْقَى لَهُ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَجْبَرْته عَلَى الْقَسْمِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ عَدَدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَنْتَفِعُ وَالْآخَرُونَ لاَ يَنْتَفِعُونَ أَجْبَرْتهمْ عَلَى الْقَسْمِ لِلَّذِي دَعَا إلَى الْقَسْمِ وَجَمَعْت لِلْآخَرِينَ نَصِيبَهُمْ إنْ شَاءُوا، وَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا إنَّمَا يُقْسَمُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَصِيرُ إلَى مَنْفَعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ‏.‏